يشرفني أن أفسح المجال هنا للدكتور مهندس محمد الحسن أحمد سر الختم للتعقيب على ما نشر... عطبرة كما كانت. طلب مني أحد الإخوة الزملاء من خريجي مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية أن أكتب شيئاً عن الاحتفال «بستينية» المدرسة المزمع إقامته في الشهر الأخير من هذا العام، خاصة وقد انطلقت الشائعات وكثر الكلام عما يحاك في الظلام. فالملأ يتآمرون على المدرسة العريقة للتخلص منها وليخرجوها من خريطة مدينة عطبرة فقلت له، وفي قرارة نفسي أحزنني الأمر، يا أخي (نحن في إيه ولا إيه) كما يقول الإخوة المصريون أو (الناس في شنو والجماعة في شنو) كما نقول نحن. الناس الآن يتصدون للكتابة عن الأحوال الاقتصادية المتردية والغلاء الطاحن والبلاد في حالة من التردي والتشظي لا يعلم مداه إلا الله، ويتناول الكتاب والمختصون كيفية الخروج من هذا النفق المظلم عن طريق الحوار والاتفاق على كلمة سواء. ولا ندري أشر أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم خيراً. فقال إنها أيضا حالة من حالات التردي لا بد من التصدي لها.. نعم ربما هي كذلك. إن تجفيف المدارس الثانوية العريقة وزوالها (حنتوب، خورطقت، وادي سيدنا) أصبح سمة وظاهرة تلازم مثل هذه المدارس دون ذنب جنته ومن غير مبررات أو أسباب تستقيم عليها الأحوال وتعتدل. يعتقد البعض أن التخبط الذي لازم السلم التعليمي وإنشاء الجامعات الولائية البئيسة ربما كان من الأسباب التي أدت إلى السطو على هذه المدارس التي تخرج فيها الأفذاذ والعلماء في سائر مناحي العلوم والحياة. مدرسة عطبرة الثانوية القديمة من المدارس العريقة التي تأسست عام «1954»، ومنذ هذا التاريخ وكغيرها من المدارس العريقة تخرج فيها الأفذاذ من أهل العطاء ممن دروا الخيرات لبلدهم والمبدعين من الشعراء والأدباء والمهنيين في مجالات المهن المختلفة كالهندسة والطب وعلوم الطب البيطري والزراعة... ألخ. وكثيراً ما برز طلابها فكانوا من الأوائل في الشهادة السودانية عبر السنين. يقول موسى إبراهيم، وكيل المالية الأسبق ومن أميز الاقتصاديين الذين درسوا في عطبرة الثانوية، دفعة العام «1962م» يقول في كتابه الشيق «أشواق للسيف المبصر»، إن هذه الدفعة تقدمت على كل المدارس الثانوية ونال ثلاثة منها جائزة الرئيس الفريق عبود التي كانت تمنح للعشرة الأوائل في امتحانات الشهادة السودانية. واللافت أن ثلاثتهم أصبحوا من أكفأ المهندسين، المعماري المرحوم أحمد حسين، الكيماوي جعفر الأمين، وعوض الكريم وداعة مهندس الاتصالات. وبينما يحاول البعض ويسعى ليعيد للمدارس العريقة سيرتها الأولى كما يحدث في خور طقت، نرى في عطبرة الثانوية وميض نار نخشى أن يكون له ضرام يوردها موارد الهلال. فالمدرسة ذات الأنهر المتعددة التي كانت تقدم ثلاثمائة طالب أو يزيد لامتحان الشهادة الثانوية قدمت العام الماضي خمسة وعشرين طالباً فقط، والميادين الخضراء تحولت إلى ساحات لبيع علف البرسيم، وتصدع البنيان مما يشير إلى أن مخططاً يجري لتصبح المدرسة في (خبر كان) وفي طي النسيان فيذرف خريجوها الحادبون على مصيرها دموعاً لا تكفكف. لم يتمكن الخريجون من الاحتفال بما يسمى (اليوبيل الذهبي) ومرور خمسين عاماً على تأسيس المدرسة العريقة فسموها (ستينية) عطبرة الثانوية - 1954-2014- فأصبح الاحتفال (فوق الذهبي)، تم تدشين الاحتفال في السادس من هذا الشهر في اجتماع بقاعة اتحاد أصحاب العمل أمه نفر من الخريجين من مختلف السنوات، بدءاً من خريجي الدفعة الأولى 1954 واستمع الحضور إلي محاضرة عن المدرسة ونشأتها وأنشطتها ومساهمتها في العمل الوطني قدمها الدكتور عثمان السيد، وأعقبه البروف جبارة عبد الله الذي استرجع كثيراً من الأشياء الجميلة والنبيلة، المسرح وعميده الأستاذ ملاسي، يوم الآباء ويوم الأمهات الذي ابتدعه الأستاذ المربي الفاضل عبد الرحمن عبد الله، من النظار أصحاب الهمم العالية والحيل والقوة الذين قامت المدرسة على أكتافهم، ومنهم أحمد حسن فضل السيد والأستاذ طلسم عليهما الرحمة. (الكديت) والصول المرحوم خضر وصرامته المعهودة ولم ينس أحداث الرحلة التي قام بها بصحبة صديقيه عبد الرحمن إبراهيم وحسن الزبير من عطبرة الى الخرطوم سيراً على الأقدام. وهكذا حلق البروف جبارة بالحضور في تلك الأجواء الرائعة التي ذهبت مع التاريخ، وقد أصبحت المدرسة ركاماً بعضه فوق بعض شاهده الحضور من خلال الصور التي التقطها الفنان عبد العزيز الطيب حسن. إن الخريجين الحادبين الذين بادروا لتنفيذ فكرة الاحتفال (الستيني) وعلى رأسهم الإعلامي الهمام الأخ كمال حامد والأستاذ الكوتش شوقي عبد العزيز وغيرهما، لا بد أن يبذلوا قصارى جهدهم وكل ما في وسعهم للوقوف بقوة أمام أي اتجاه (لتجفيف) المدرسة وأن يعملوا بجد لتعود لبهائها ورونقها القديم، فيجلي الله كربتها ويتبدل الحال غير الحال، فالخريجون المنتشرون في أصقاع السودان وخارج السودان لن يعجزهم أن يقدموا ما عندهم عطاء غير مجذوذ لانتشال هذا الصرح من هذا التردي والحال البئيس. ولا بد لهذه الاجتماعات والتحركات وما يطرح من أفكار أن تؤتي أُكلها وفاء يجابه الجحود والتجني وخلاف ذلك يكون الاحتفال «الستيني» بلا معنى. فللاحتفال رسالة وهو مطية لما بعده من فعل، فللمدرسة حق كبير علينا نأمل أن نوفيها شيئاً منه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. د.م. محمد الحسن أحمد سر الختم الدفعة التاسعة (66) شكراً للعالم الدكتور المهندس ابن الدفعة الشهيرة عام 1966م.. التي قدمت للسودان أول الشهادة الدكتور مهندس محمود شريف يرحمه الله وفي انتظار المزيد من المساهمات.