تنفيذ تدابير بناء الثقة وترتيبات أمنية أخرى بين الحكومة والحركات المسلحة وتطورات جديدة وحثيثة يتوقع أن تدفع بعجلة الحوار الوطني إلى الأمام خلال الأيام القادمة، ومن بينها انضمام الحركات المسلحة إلى ركب العملية التفاوضية، بجانب تفاؤل غير حذر من جانب الآلية الإفريقية التي أبدت موقفاً إيجابياً عقب تقرير أمبيكي الذي رفعه مؤخراً إلى مجلس السلم الإفريقي، عندما أعلن لمسة جدية تجاه الحوار من جهتي الحكومة والمعارضة، إضافة إلى الموقف الداعم للعملية التفاوضية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول غربية أخرى، بجانب إبداء مجلس الأمن الدولي دعمه لعملية الحوار الوطني عقب تطورات في الملف من بينها إعلان «أديس أبابا» الموقع بين الوساطة الإفريقية ومجموعة إعلان باريس ووفد آلية الحوار الوطني. وفي الغضون ينشط حراك داخلي بشأن دفع عملية الحوار. وفي السياق، أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن لقاء نائب الرئيس حسبو بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات من المقرر أن يلتئم اليوم تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية والحركات الموقعة على السلام والمنضوية تحت لواء مجلس أحزاب الوحدة الوطنية. ومن المقرر أن يناقش مجريات الوضع السياسي الراهن وعلى رأسها عملية الحوار الوطني وكيفية دفعه للأمام عقب التطورات اللاحقة. ويرى مراقبون أن تمسك الحكومة بدعوة كل الأطراف لحوار جامع يعتبر اختراقاً للوضع السياسي القائم بالمشاركة في وضع أسس سياسية جديدة يحتكم إليها كل أهل السودان كي يخرج من أزماته المتلاحقة التي أهدرت موارده في صراعات سياسية ونزاعات مسلحة رسمت له لا دخل للمواطن السوداني فيها. ومنذ استقلال السودان لم تتوافق القوى السياسية على دستور واحد، ما أدخل البلاد في نفق يصعب الخروج منه وأقعدها عن اللحاق بركب التقدم والبناء، وربما تطلب ذلك تنازلات من هنا وهناك حتى يثمر الحوار الوطني وفاقاً حول القضايا الوطنية والمصيرية. ووصف مراقبون دعوة كل الأطراف بأنها أرضية جيدة ينطلق منها الحوار الوطني.. منذ أن تبنى شعار «السودان أولاً»، بجانب التعهد بتحقيق العدالة في توزيع الثروة والسلطة، وربما زاد تلك الأرضية صلابة التعهد باعتبار التنمية ومحاربة الفساد هما من أهم سمات المرحلة المقبلة. وبينما أشار محللون إلى أن ذلك يعتبر تغييراً مهماً في إستراتيجية حزب المؤتمر الوطني، اعتبرت أحزاب معارضة الأمر مجرد مناورات من الحزب الحاكم في إطار البحث عن فرص للهروب إلى الأمام. الحزب الحاكم من جانبه وضع كل ما عنده من ضمانات يراها مناسبة على طاولة الحوار التي أمامه في انتظار ردود متجاوبة من قبل الأحزاب المعارضة والحركات المسلحة، وربما سعى إلى إجبار من لم يجلس أو خرج من لجنة الآلية للجلوس مرة أخرى بواسطة تدخل آليات إقليمية من بينها الاتحاد الإفريقي الذى يؤمن بجدية الحكومة والمعارضة معاً في سعيهما لخوض حوار جاد ومثمر، إلا أن بعضها يجزم أن الحزب الحاكم لم يقدم ما يكفي لإنجاح الحوار، وهنا ربما تطلب الأمر دعم عملية بناء الثقة من جهة الحزب الحاكم. وبينما تتسارع الأيام في المضي، تتعنت بعض قوى المعارضة وتبدي أحزاب أخرى مواقف متذبذبة، وكانت عوامل قد ساعدت في ضياع العديد من فرص انفراج الملف من بينها ما يتعلق بالاعتقالات السياسية وأخرى تتعلق بالحريات، إلا أن إطلاق السلطات سراح إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني الأسبوع المنصرم، ربما يعيد الثقة لأطراف عديدة. صديق يوسف القيادي بالحزب الشيوعي السوداني والناطق الرسمي باسم قوى الإجماع، يرى أن الحوار دون تهيئة ما أسماه بمناخ الحوار، لن يقود إلى حلول، وقال في حوار نشرته «الإنتباهة»، إن مطالبهم للجلوس إلى حوار وطني شامل هو تشكيل حكومة انتقالية جديدة يكون الحزب الحاكم جزءاً منها، تقود المرحلة القادمة إلى حين موعد إجراء الانتخابات في العام المقبل، بينما تمسك حزب المؤتمر الوطني بتشكيل حكومة ائتلافية تشارك فيها كل القوى السياسية. وتمسك التحالف المعارض على لسان الناطق باسمه بمطلب إطلاق الحريات العامة وحل القوانين المقيدة لها ووقف الحرب، مؤكداً أن موقفهم الإستراتيجي هو إسقاط النظام، مشيراً إلى أن الوقت غير مناسب للدخول في حوار مع الحكومة وأن هدفهم ما زال هو تفكيك نظام الحزب الواحد. وفي تغير ملحوظ بدا موقف دول الاتحاد الأوروبي داعماً لعملية الحوار ودافعاً بالقوى السياسية المختلفة إلى طاولته، الأمر الذي لم تنكره قوى معارضة. من بينها المبادرة الألمانية التي اقترحت خلال يونيو الماضي عقد ورشة عمل في الخرطوم بالتعاون مع مركزي «باركوف» ومركز الدراسات الإستراتيجية ببرلين بهدف استعراض التجارب العالمية والبحث في التحديات التي تواجه الحوار بين الحكومة والمعارضة، إلا أن الورشة لم تعقد. وفي الغضون أعرب محللون عن تفاؤلهم بتغير مواقف الدول الغربية تجاه قضايا البلاد بما في ذلك الحوار، بينما وضعه مختصون تحت بند أن الغرب يسعى إلى إحداث تغيير في بنية الحكم في السودان لتتماشى مع مفاهيمه، بجانب بحث الغرب الأوربي عن نفوذ جديد في المنطقة بعدما تآكل نفوذه بفضل العديد من العوامل.