اختطاف الطائرة العراقية «ميج 21» دخل منير روفا بالطائرة العملاقة الأجواء الإسرائيلية بعد أن خفف من سرعتها وهو يحيي سرب الميراج الذي كان يتملكه الذعر من هذه الطائرة المقاتلة، ولكنه كان يتقلب بها ذات اليمين وذات الشمال حتى يظهر نواياه غير العدوانية ورغبته في الهبوط، مشيراً في ذات الوقت بإبهامه إلى أسفل.. فتبادل معه طيارو الميراج الإشارات ليتبعهم وهي تتحفز بكامل صواريخها من طراز K-13 وبكامل مدافعها وفي الثامنة والتسع دقائق.. دلفت الطائرة المهيبة الميج 21 العراقية في خفة على الممر فشهق الإسرائيليون لبديع رشاقتها الانسيابية وانطلقت على إثرها العشرات من عربات الجيب والإطفاء إلى أن توقفت تماماً.. وهي تسحب آخر نقطة من خزاناتها، رفع روفا غطاء كابينته وأدام النظر إلى الحشد الواقف من حوله ثم أرخى أحزمته وقفز إلى الأرض.. صافحه مردخاي هود مشدوهاً ثم جذبه إلى صدره معانقاً بحرارة.. هكذا فعل كبار مستقلبيه من الضباط يملؤهم الزهو والذهول والدهشة.. أمام هذه التحفة الفنية الثمينة التي تقدر بملايين طائلة اشترتها إسرائيل من هذا الخائن بمليون دولار واحد فقط.. فتعجبوا جميعاً لجرأة هذا الطيار العراقي وجسارته وخيانته. أخذ روفا في الحال إلى أحد مباني القاعدة الجوية بينما أحيطت الطائرة المسكينة التي كانت تبكي وحيدة على الممر، وقد لفت بجدلة حمراء ذات قواعد نحاسية لامعة وطابور من الحرس العسكري في انتظار وصول رئيس الجهاز عاميت وكبار العسكريين في الدولة.. كان روفا يبدو شاحب الوجه وقد امتقع لونه وبدت عليه اضطرابات الفشل تهز أطرافه.. سأل عن أفراد أسرته فأجابه هود بأن عاميت يطير الآن لاستقبالهم فهو الذي عرف الإجابة.. كانت المسافة بعيدة جداً على رئيس الموساد 85 كيلو مترا ما بين تل أبيب وحاتسيرم.. فكانت أشواقه زائدة في رؤية الطائرة المعجزة التي ستخلد اسمه.. فانشغل في الهيلوكبتر مع بقية زواره ومساعديه في مناقشة الترتيبات القادمة.. تنفس هود الصعداء عندما حطت طائرة عاميت وتوالى من بعده وصولات الجنرالات مجتمع المخابرات منهم اهارون ياريف رئيس الاستخبارات العسكرية، أمان ويوسف هارملين رئيس جهاز شين بيت وإبراهام اهيتوف رئيس الشؤون العربية في الشين بيت ومساعده النسط يهودا أربيل وابشير هاريل رئيس جهاز الموساد السابق.. من بعدهم توافد وصول جنرالات الجيش منهم موشي ديان وعيزرا وايزمان قائد سلاح الجو الأسبق الذي قال عنه الجاسوس المصري الأسبق جان ليون توماس في اعترافاته بأنه كان لحوحاً في تجنيد طيار مصري يقبل الهرب بالميج إلى إسرائيل.. وبوصول عاميت وأبو داود اطمأن روفا قليلاً وكذلك اطمأن عندما علم بان أسرته ستصل إسرائيل مساء نفس اليوم على طائرة خاصة من إيران.. ودعي جميع الملحقين العسكريين لمشاهدة الطائرة عند منتصف النهار، ودعي ايضاً رجال الصحافة والمراسلين الأجانب لحضور المؤتمر الصحفي مع الطيار العراقي في بئر سبع.. وفي بغداد حل الصمت ولم يصدر عنها أي بيان رسمي أو تصريح عسكري بشأن هروب الطائرة.. فقد كانت المأساة مدوية وقاتلة ومريرة.. عندما تأكد لرجال الموساد في إيران وصول روفا إلى اسرائيل.. أعلنوا الخبر لزوجته ووالديه وأخبروهم بان طائرة إسرائيلية في الطريق إلى طهران. جاءت لتنقلهم إلى تل أبيب صرخت مريم بطريقة هيسترية صدمها سماع كلمة تل ابيب وكذلك إخوة روفا واخواته.. ثم وجم والداه وبعد برهة انفجرا في بكاء عميق ولقد أصرت مريم أن تحادث روفا تلفونياً. وفي تلك اللحظة تمسك إخوتها الأربعة بالعودة إلى العراق بالرغم من محاولة تخويفهم من قسوة ما سيلاقونه من تعذيب على أيدي المخابرات العراقية.. وبالرغم من صرخ مريم إلا ان الأمر لا بد أن يكتمل.. ومن مقر الموساد في بئر سبع حدث الاتصال بإيران.. كانت مريم لم تستطع الإمساك بسماعة التلفون من هول المصيبة وفداحة الموقف.. يقول لها روفا انا في إسرائيل يا مريم تعالي إلى هنا..تعالوا كلكم.. ولا ترجعوا إلى العراق سيقتلوكم جميعاً وسوف يمثلوا بالأولاد.. مريم ماذا فعلت في العراق؟!..وهنا نذكر بان في عام 1972م هرب طيار عراقي بطائرته الميج 21 إلى إيران وهو النقيب فرق عبد الوهاب محمد السطبجي الرحماتي طالباً حق اللجو السياسي إلى أمريكا وافقت على طلبه باللجوء إليها.. وفي اكتوبر 1989م هرب طيار.. خائن عربي آخر هو الرائد طيار محمد عادل بسام السوري بطائرته الميج 23 الأخطر والأشرس والأقوى بدعوى الرغبة في العيش ببلد ديمقراطي.. إلا أن السوريين صرحوا بان بسام قد تم تجنيده في سوريا قبل أربع سنوات من هروبه.. قال روفا لمريم، لقد هربت بالطائرة إلى إسرائيل.. زادت في بكائها وهي تقول له.. هربت بالطائرة..؟! أيها المخبول ضيعتنا.. ضيعتنا.. انتهت المكالمة بانهيار روفا وأوشك عاميت على استدعاء ليزا على وجه السرعة.. إلا انه تريث بسرعة وحتى لا يكون كاذباً.. لأنه سبق ان أخطره بأنها سافرت لاستراليا لزيارة اختها المريضة.. جاهد أبو داود في تخفيف الموقف ليعيد روفا إلى هدوئه.. وقال له لا بد لك ان تكون متماسكاً وقوياً امام الصحافيين وكمراتهم وأن ترد على أسئلتهم في ثبات وبأعصاب سليمة أمام العراقيين الذين يلتقطون الإرسال.