مدينة تنام وتصحو على القصة فور هبوطي من البص بمدينة عطبرة تفحصت وجوه أصحاب الأجرة واخترت شابًا رأيت أنه الأنسب ليفيدني في مهمتي لجهة تقارب السن بيننا، طلبت منه أن يوصلني إلى مستشفى عطبرة التعليمي، ما إن جلست بجانبه سألته على الفور عن طبيب عطبرة المثير للجدل .. وكأنما الشاب كان ينتظر مني أن أرمي عليه ذلك السؤال وبدأ يسرد لي في روايات مختلفة يتناقلها المجتمع العطبراوي أبلغته حينها بهويتي وتحمس للغاية لمقصدي وكانت المفاجأة بالنسبة لي أنه يعرف معاوية ومكان إقامته.. في المستشفى دخلت من البوابة الجنوبية الخاصة بالترحيل في المدخل كان الجميع كرماء حيث لم يسألني أحد عن وجهتي أو هُويتي إن كنت طبيبًا مزيفًا أو صحفيًا!! ولسان حالهم يقول تفضل.. كان المكان بائساً وكئيبًا، سألت عن مكتب المدير الطبي للحوادث د. محمد بانقا بقليل جدًا من الجهد وصلت إليه، وجدت ورقة كبيرة تحتل أعلى باب مكتبه بث فيها العاملون بالمستشفى سعادتهم وتهانيهم لبانقا بمناسبة ترقيته للدرجة الخامسة وكأنما العاملون بالمستشفى لم يسمعوا بحاجة اسمها لوحة الإعلانات!! المهم كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف، وجدته يتهيأ لصلاة الظهر بعد فراغه من الصلاة في مكتب مجاور لمكتبه عرفته بنفسي لم يبد ترحيبًا بشخصي وقطّب حاجبيه عندما سألته عن معاوية قال لي بغضب: «أنا ماعندي حاجة أقولها والموضوع دا عند مدير عام الوزارة!! في تلك اللحظة بدأ في التواري خلف الباب وبصحيح العبارة شرع في إغلاقه في وجهي.. طفت في المستشفى ودون كثير عناء تحصلت على رقم هاتف مدير عام وزارة الصحة د. سمير وهاتفته كان حال المدير الطبي أحسن منه ألف مرة ومقارنة به رحب بي بانقا أيما ترحيب، أما سمير فقد قال إنه في اجتماع سيفرغ منه الساعة الرابعة وأبديت له رغبتي في زيارته بعد الاجتماع وجن جنونه، عندما علم أني في عطبرة وقال لي وهو يصرخ «لا أريد أن أتحدث ل«الإنتباهة» ولا أريد أن ألتقيك واكتب هذا الكلام»!! ومع ذلك شكرته وأغلقت الهاتف. عدة أمكنة والهدف واحد خرجت من المستشفى وبدأت ومعي صديقي صاحب الأتوس الأجرة في البحث عن الحقيقة أخبرني أن الشرطة اعتقلت معاوية فاتجهنا إلى قسم شرطة عطبرة وسط حيث تم اعتقال الهدف لمدة خمسة أيام وتم التحري معه عدة مرات هناك قال لي ضابط برتبة رائد «ع» وبكل لطف وذوق إن معاوية تم الإفراج عنه بضمانة وتم رفع ملفه إلى رئاسة شرطة الولاية وهي صاحبة الحق في الإدلاء بأي معلومات بعد أخذ الإذن من الرئاسة العليا بالخرطوم. في القسم علمت من أحدهم أن العشرات زاروا معاوية والبعض أعلن تضامنه معه وبعضهم قالوا إنهم مرضاه.. كان الأمر غريبًا لحظتها وولّد سؤالاً هل معاوية أتقن مهنة الطب؟ توجهت بعدهاإلى مستشفى الرباط الوطني التابع للشرطة بحي السكة حديد لتتبع معلومة مفادها أن الطبيب معاوية باعتبار ما كان خضع لكشف طبي بواسطة اختصاصي نفسي وهي مسألة لا تحتاج لشرح عن دواعيها ومبرراتها وهناك علمت أن الأمر لا يمت للحقيقة بصلة، فالمستشفى ينقصه اختصاصي في المجال المذكور، قلت في نفسي لعل الأمر يريد له البعض أن يسلك طريقًا آخر!! على كل اتجهت بعدها إلى وزارة الصحة وجدتُ رتلاً من السيارات يرابض في عقر دارها وجل المكاتب مغلقة وللحقيقة أن ساعات الدوام كانت قد انقضت وكان اللافت أن الوزارة حالها كحال المستشفى ويتجسد فيها المثل «وكالة من غير بواب» وقد يكون معاوية قد وجد مبررًا للتسلل للمستشفى.. باختصار الوزارة ليس لديها استقبال! رحلة البحث عن الدكتور!! بعد كل مشوار كنت آتي ومعي صديقي صاحب الأتوس إلى منزل معاوية بذلك الحي العطبراوي العريق ونسأل إن كان وصل أم لا.. كان مرافقي يكاد يفوقني حماسة لجهة أنه يمني نفسه أن يسمع حقيقة القصة بعد أن روى لي نحو خمس روايات كلٌّ منها تختلف عن الأخرى، ولعل ذلك ما جعل العشرات يتدافعون لقسم الشرطة لرؤية الطبيب المزيف لحظة اعتقاله.. كانت المفاجأة أن مرافقي قال لي في المرة الرابعة والأخيرة التي توقفنا فيها أمام منزل أسرة معاوية «طالما الركشة غير موجودة فالدكتور مافي» ولحظتها علمت منه أن معاوية صاحب ركشة وأكد لي بعد مغادرتنا المكان أنه التقى صديقًا له يقود ركشة وسأله عن زميل المهنة معاوية.. لحظتها اقتربت الساعة من الخامسة والنصف واتفقت معه أن نلتقي عقب الإفطار لنواصل رحلة البحث عن الدكتور.. وزارة الصحة.. انتظار لجنة التحقيق وجدنا معاوية ودون تدوين إجابات لكيف؟ ومتى؟ أجرينا معة حواراً ولكن قبل ذلك كان لابد أن نستمع لوجهة نظر وزارة الصحة.. تجاوزنا هذه المرة مدير عام الوزارة المصاب بحمى الصحافة د. سمير والتقينا بوزيرة الصحة بحكومة نهر النيل د. سامية محمد بمكتبها صباح الخميس وقد أبدت استنكارها كون شخص يدعي قيامه بعمليات وبدأت في شرح الحالات الثلاث للعمليات «صغرى ومتوسطة وكبرى» الوزيرة أقرت بأنه ليست المرة الأولى التى يزعم فيها شخص أنه طبيب بمستشفى عطبرة خاصة وأنها منذ تخرجها في الجامعة في العام 1984 كما قالت ظلت تعمل بمستشفى عطبرة حتى العام 2000 واستدركت بأن الادعاء لا يتجاوز كتابة ذلك الشخص لروشتة أو يدعي أنه طبيب لحظة دخوله المستشفى يفر بعدها عند اكتشاف هويته! وأكدت الوزيرة سامية ل «الإنتباهة» أن بعض نظرائها بالولايات هاتفوها وأكدوا مرورهم بهكذا تجربة تنتهي في لحظتها. قلت لمحدثتي إن معاوية أكد إجراءه لعدد كبير جدًا من العمليات ومداومته بشكل رسمي في حوادث مستشفى عطبرة بدأ شيء من الانفعال على وجهها وقالت إنها غير راغبة في الخوض في هذا الملف بعد أن كُوِّنت له لجنة تحقيق بقرار وزاري رقم «25» لسنة 2011 اسم القرار، قرار لجنة لتقصي الحقائق في الملابسات بمستشفى عطبرة والمنسوبة إلى شخص بانتحاله صفة طبيب ويعمل بالقرار من تاريخ التوقيع عليه وهو يوم الحادي والثلاثين من يوليو الماضي.. رفدت الوزيرة «الإنتباهة» بنسخة من القرار بواسطة أحد رجال مكتبها.. وهددت حال ثبت تورط أي جهات أو أفراد سيخضعون لمحاكمة وقالت: لن نسكت وأبدت استغرابها لما نشرته الصحف وتساءلت من أين للصحافة بالمعلومات التي وصفتها بالمريبة والغريبة التي نُشرت! كما تحفظت د. سامية عندما سألتها إن كانت ستتقدم باستقالتها حال ثبت أن معاوية كان طبيبًا بالمستشفى التي أمضت بها ستة عشر عامًا في ممارسة مهنة الطب!! د. سامية كادت تجزم باستحالة ان يكون معاوية قد أمضى فترة بالمستشفى لصعوبة ادعاء ممارسة مهنة كالطب وزادت «هي فوضى أي زول يقول أنا دكتور» وكان الرد لاحقًا مدّنا به معاوية نفسه. على كل تم تشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة مدير عام وزارة الصحة وعضوية أربعة آخرين هم المستشار القانوني لوزارة الصحة، رئيس وحدة أمن عطبرة، مدير مستشفى الشرطة ومدير إدارة الطب العلاجي.. وحددت مهام اللجنة في القيام بالتحقق إداريًا عن انتساب ذلك الشخص إلى مستشفى عطبرة عن الفترة التي قضاها بها والتأكد والتحقق مما إذا كانت إدارة المستشفى على علم بعمله داخلها.. ثالثًا التنسيق مع الجهات المختصة لمعرفة مجريات الإجراءات المتخذة بشأنه والإفادة عنها ومتابعتها مستقبلاً عن طريق تحديد جهة بعينها لمتابعتها.. رابعًا أي مهام أخرى تراها اللجنة مناسبة للوصول إلى الحقائق وأخيرًا التوصية بشأن ما توصلت إليه.. القرار حدد أن ترفع اللجنة تقريرها فى مدة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ صدوره.. بمعنى يُفترض أن ترفع تقدم تقريرها غدًا. من داخل المستشفى.. معاوية معنا التقت «الإنتباهة» بممرض بالمستشفى وأقر أنه عمل مع معاوية بل أكد أنه لم يشك يومًا كونه طبيبًا .. الممرض المذكور رفض حجب هويته بعد أن علمنا منه أن تحريات الشرطة شملت عددًا من الأطباء أنكروا عملهم مع معاوية وكل ما ذكروه ومنهم طبيبة أنها كانت تراه في المستشفى فقط. من المحرر: هذه هي الصورة في عطبرة بشأن قصة الطبيب المزيف معاوية صاحب الأربعة والعشرين ربيعًا وقد وجدت في سوق المدينة وفي أحد المقاهي أن البعض غير مصدق الأمر برمته وقال لي رجل كبير في السن الكلام دا ماصاح بل ذهب إلى القول يكون الموضوع دا صنعوه ناس ساكت. وبعيدًا عن تلك الآراء المتباينة كان اللقاء مع معاوية والذي أجاب عن كل سؤال طرحته عليه «الإنتباهة». «نص الحوار عدد الغد إن شاء الله»