يعتبر مستشفي عطبرة التعليمي من اقدم المستشفيات في نهر النيل ان لم يكن في عموم السودان، ويعود تأسيسه الى العام 0191م، حيث بناه الانجليز الذين كانوا يحتلون الوظائف القيادية في مصلحة السكة الحديد، كما كانت تعرف حينها بهذا الاسم. ونظراً لاهمية المستشفى الذي يقع في مدينة عطبرة التي بها رئاسة هيئة السكة الحديد، حيث الآلاف من العمال والموظفين، فإنه أي المستشفى يحظى بكبار الاطباء في كل التخصصات الطبية، حيث عمل به اطباء عمالقة على مر التاريخ مثل د. ابو زيد عطا المنان اختصاصي العظام، ومستر عبد الرحيم محمد أحمد اختصاصي الطب الباطني المعروف، ود. الهادي الزين النحاس اختصاصي النساء والتوليد، ود. محمد توفيق هيبة اختصاصي الطب النفساني، ود. مصطفى السيد اختصاصي العيون وقطعاً القائمة تطول.. وتطول.. واكتسب مستشفى عطبرة من خلال هذه القائمة من جهابذة الاطباء سمعة تعدت الآفاق، وكانت به كل التخصصات الطبية والاجهزة والمعامل والنظام الدقيق وحسن الادارة والخدمة الممتازة في كل مرافقه واقسامه. وقصدت من هذه المقدمة ان يقف القارئ على فكرة عامة عن مستشفى عطبرة الذي عاد لدائرة الضوء من خلال القضية التي فجرها المركز السوداني للخدمات الصحفية بعطبرة، بالخبر الذي تناولته كل وسائط الاعلام المقروء والمسموع والمشاهد، عن ذلك الطبيب المزيف الذي ظل يعمل بالمستشفى لمدة ست سنوات، بل أنه يجري عمليات جراحية. وشغل هذا الخبر كل الأوساط في ولاية نهر النيل والمركز، لأن الأمر يتعلق بإنسان يمتهن مهنة متعلقة بحياة الناس، وهي مهنة الطب. واثار الخبر غباراً كثيفاً، وظل محط اهتمام الناس ومجالسهم في مدينة مثل عطبرة تتميز بمواطن على درجة عالية من الوعي والثقافة والفكر، ولأن سمعة مستشفى عطبرة لديه قد اهتزت تماما جراء ما نشر واذيع في الاعلام. وبرزت العديد من الاسئلة عن كيفية ان يقوم شخص لا علاقة له بالطب بدخول المستشفى ويعالج الناس ويجري عمليات، واين هي اللوائح والضوابط التي تحكم العمل في مثل هذه الحالات، خاصة أن المستشفى يعج بالاطباء تحت التدريب واطباء الامتياز وطلاب الطب والكوادر الماثلة، اي أن المناخ ملائم لأن يندس مثل هذا الشخص ويمارس المهنة في غياب اجراءات وضوابط تتعلق بالطبيب الذي يجب ان يكون له ما يميزه عن عامة الناس وفق ضوابط محددة صادرة عن وزارة الصحة الاتحادية، لكنها غير معمول بها فيما يبدو، وهذا ما سنتعرض له من خلال هذا التقرير لاحقاً. والجهة التي نشرت الخبر تؤكد صحته وصحة المصدر الذي أعطاها الخبر تماماً.. ولكن على الجانب الآخر فإن السلطات الصحية في عطبرة انزعجت من الخبر الذي أُذيع ونشر بشكل كبير وملفت في أجهزة الاعلام، واحتل المانشيتات الرئيسة لبعض الصحف. لذا لا بد من معرفة رأي السلطات الصحية في نهر النيل في الامر، حيث اوضح د. سمير محمد عثمان، مدير عام وزارة الصحة بنهر النيل ل «الصحافة» ان ذلك الشخص شوهد مرة في قسم الحوادث وبدا انه ينتحل صفة الطبيب، وقام المدير الطبي لقسم الحوادث بطرده، لكنه اختفى لفترة وشوهد مرة أخرى في قسم العيون بالمستشفى وهو في الزي المخصص للاطباء «اللاب كوت»، وكان ذلك في شهر يونيو الماضي، وقامت إدارة المستشفى بفتح بلاغ ضده، حيث يوجد قسم للشرطة داخل المستشفى. ولجأت ادارة المستشفى الى اصدار تعميم لكل الاقسام بأن وسط الاطباء من ينتحل صفة الطبيب. وأوضح د. سمير محمد عثمان ان الشرطة ظلت تبحث عن ذلك الطبيب المزيف حتى عثرت عليه خلال الأيام الماضية واعتقلته بناءً على البلاغ المفتوح ضده مسبقاً، وهو ما أثار الخبر وليس نتيجة انه عاد لمزاولة المهنة مجدداً، وان الخبر الذي نشر عارٍ من الصحة تماما، وأن نقاشا دار داخل المستشفى بضرورة أن يتم فتح بلاغ ضد الصحف والوسائط التي نشرت واذاعت الخبر، حفاظاً على سمعة مستشفى عطبرة وسيرته الممتازة على امتداد تاريخه في خدمة مدينة عطبرة والمناطق المجاورة، وان المستشفى قد تضرر تماما من هذا الخبر، وهذا حق مكفول تماماً، وليس هو الاول والأخير في نشر الاخبار غير الصحيحة عن المؤسسات او الافراد الذين يلجأون للقضاء لرد حقوقهم نتيجة أخبار غير صحيحة. ويشير د. سمير محمد عثمان إلى انهم اصدروا منشوراً عاماً لتلافي ما حدث او ما قد يحدث مستقبلاً، يتلخص في ضوابط مشددة للطلاب المتدربين تتمثل في وجود بطاقات واضحة، مع ضرورة التقيد بابرازها طيلة الدوام. ثانياً الزام كل الكوادر الطبية من اطباء وممرضين وكوادر مساعدة بضرورة الالتزام بالزي المحدد لكل فئة، ولن يسمح بالدخول للمستشفى او العنابر الا وفقاً لذلك. وأخيراً أشار مدير عام وزارة الصحة بنهر النيل إلى أن مدة الستة أشهر الواردة في الخبر غير صحيحة إطلاقاً، وأن المذكور غير مسجل في كشوفات الوزارة ولا يتقاضى راتباً منها، وانهم في وزارة الصحة يثقون في كوادرهم تماماً، وانها كوادر على درجة عالية من الكفاءة العملية، مشدداً على ثقته في ان الشخص المذكور سيجد العقاب من السلطات القضائية المختصة بنهر النيل، ولا يستطيع اي احد ان يخاطر بصحة الانسان التي هي محل اهتمامهم في وزارة الصحة ومستشفى عطبرة. والقيادات السياسية في نهر النيل انزعجت من الخبر، وأجرت العديد من الاتصالات على مستويات مختلفة، ورأت انه من الضروري من الآن وصاعداً احياء العمل بالضوابط الصادرة حول تدريب الاطباء والكوادر المساعدة، مع تشديد الرقابة في اقسام الحوادث والعنابر، والتأكد من هوية كل الطاقم الطبي الذي يعمل في كل مستشفيات نهر النيل، خوفاً من تكرار ما حدث في مستشفى عطبرة. والطبيب المزيف «م/ ي/ خ» محتجز الآن في قسم شرطة عطبرة، ويجري التحقيق معه للوصول الى تفاصيل هذه القضية التي شغلت كل الاوساط، ولا بد أن يجد امثال هؤلاء العقاب الرادع، لأن أرواح البشر لا يمكن التلاعب بها لهذه الدرجة.