ماذا بعد انتهاء المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني؟ سؤال يبدو في غاية الأهمية، فالحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» بكل تحركاته وسكونه يعد مؤثراً في دائرة الفعل السياسي والأوضاع التي يعيشها الناس الاقتصادية والأمنية وعلاقات الجوار.. وما يترتب كذلك مع الدولة الحديثة «جنوب السودان».. والسياسات التي تفرزها مؤتمرات وقرارات الحزب الحاكم تصبح واقعاً يعيشه الناس سلباً أم إيجاباً ومؤثرة على حركة الحياة.. فماذا أعدَّ المؤتمر الوطني لحل القضايا العاجلة المطروحة حالياً في أبيي، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق؟ وهل يستمر حمل السلاح والقوى الأممية في أبيي التي هي قضية بذرتها الأولى تنموية؟ وكيف يمكن تحييد الغرب وبعض الدول المجاورة لدعم هذه القضايا؟.. كل هذه القضايا طرحناها خلال هذا الحوار المطول الذي أجرته «الإنتباهة».. بعد خاتمة المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني مع الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية وأمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، فإلى مضابط الحوار: أولاً ما هي الظروف المحيطة والتحديات أمام المؤتمر التنشيطي العام للمؤتمر الوطني الذي انعقد مؤخراً؟ انعقد المؤتمر العام للحزب في ظروف داخلية وإقليمية ودولية جعلت منه مؤتمراً غير عادي وفي غاية الأهمية، فهو أول مؤتمر ينعقد بعد انفصال جنوب السودان، وكان كذلك والمؤتمر الوطني يطرح مشروع الدستور الدائم على القوى السياسية، وإقليمياً الثورات العربية والربيع العربي التي نعدُّها إيجاباً وخيراً على السودان، وكذلك الأزمات الاقتصادية التي يواجهها العالم، كل ذلك جعل المؤتمر في غاية الأهمية من حيث التقارير التي قُدِّمت فيه والتي شملت أداء المؤتمر في هيئته التشريعية والتنفيذية وأوراق المؤتمر الفكرية التي أُعدت بواسطة لجان، وأعتقد أن من حق الشعب السوداني أن يتابع أعمال هذا المؤتمر والأوراق التي قُدِّمت وكذلك النشاطات وأن يطمئن أن المؤتمر الوطني الذي أعطى تفويضاً لقيادته في هذه المرحلة قادر على التصدي للتحديات الموجودة في الساحة والاستفادة من الفرص التي أُتيحت نتيجة لانفصال جنوب السودان أو نتيجة للأزمات الاقتصادية الغربية والنظر في استثمار ثروات السودان، وفي تقديري أن المؤتمر كان في غاية الأهمية، والمشاركة الخارجية كذلك في غاية الأهمية لنشهد مدى امتداد المؤتمر الوطني وانتشاره واتساعه من حيث الكم والكيف، حيث شارك من ليبيا الأستاذ مصطفى عبد الجليل بعد ثورة ليبيا، ومن مصر أعضاء من حزب الحرية والعدالة الأستاذ عصام العريان، وكذلك شارك الأستاذ الدكتور السيد البدوي، ومن الصين ومن إفريقيا وأوروبا ومن العالم العربي، كل هذه الوفود تؤكد انتشار واهتمام وعلاقة المؤتمر الوطني الخارجية. بعد التأكيد على مشاركة الاتحاديين في الحكومة.. في تقديرك إلى أي مدى يمكن أن تُسهم مشاركة الحزب الاتحادي في استقرار الساحة السياسية؟ المشاركة لم تقتصر فقط على الحزب الاتحادي والمشاركة بجانب المؤتمر الوطني سوف تضم الأحزاب التي ظلت تشارك مع المؤتمر الوطني في تحمل المسؤولية سواء كانت المسؤولية السياسية أوالمسؤولية الاقتصادية، وكذلك هناك أحزاب أخرى ستشارك من غير الاتحادي في هذه الحكومة التي نأمل أن تكون المشاركة فيها واسعة وهي قطعاً لم تشمل كل الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية، ولكن من المتوقّع أن تكون الحكومة القادمة هي الأوسع بعد ذهاب الحركة الشعبية. بالرغم من هذه البرامج والتطلعات إلا أن المعارضة المسلحة نشطت وآخرها الجبهة الثورية.. ما هو تعليقك على ذلك؟ الجبهة الثورية في تقديري هي عبارة عن فرقعة إعلامية ولو كانت تستطيع أن تفعل شيئًا لأوقفت تقدم القوات المسلحة في النيل الأزرق حيث اجتاحت قواتنا ما تبقى لمالك عقار في الولاية، ولو كان بمقدورها أن تفعل شيئاً لتمكنت من تنفيذ برامجها من خلال تلودي وكادوقلي، ومن المؤكد أن هذا المسمى «فرقعة إعلامية»، صحيح أنها مدعومة من حكومة الجنوب لكننا نأمل في الموقف الأمريكي الأخير والإنذار الذي أُرسل لحكومة الجنوب الخاص بدعم حكومة الجنوب لهذه الحركات حيث يعتبر ذلك خرقًا لاتفاقية السلام التي التزم بها المؤتمر الوطني وفشلت الحركة الشعبية في استثمار الفرص الواسعة التي أتاحتها الاتفاقية بل جعلوها وباءً على جنوب السودان. ما هي تحديداً الرسائل التي أُرسلت لحكومة دولة جنوب السودان فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين خاصة سياسة الجنوب نحو السودان؟ أعتقد أن الرسالة جاءت من الأمين العام للأمم المتحدة ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي هي راعية لحكومة جنوب السودان، ونأمل أن تكون هذه الرسالة وصلت إلى القوى الإقليمية التي تدعم الحركات المسلحة والتي تدعم كذلك حكومة الجنوب وتقوم بدعم العمل المسلح ضد دولة السودان. كيف تنظر لمآلات الأوضاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق والسيناريوهات المحتمَلة مع استمرار العمل المعارض المسلح؟ أنا واثق بأن القوات المسلحة والأمنية ستؤدي دورها ولكنا مطالبون نحن الآن بطرح مشروع سياسي، فالقوة العسكرية ليست هدفًا وإنما هي وسيلة تفتح المجال لحل سياسي، نحن الآن من خلال المؤتمر العام سوف نتابع هذه القضايا، قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق، ونحن نتهيأ لطرح مشروع سياسي يكون هو الهدف الأساسي لمعالجة القضايا في النيل الأزرق وجنوب كردفان. آخر هذه الأزمات والعمل العسكري الذي كان بمنطقة تلودي.. ما هو تقييمك؟ هذه المجموعات لها مخطَّط كما ذكر السيد رئيس الجمهورية، فهي تريد أن تجعل من ولاية جنوب كردفان بنغازي تتحرك منها، ولدينا معلومات كافية أنها كانت تخطِّط بمجرد دخول القوات المسلحة الكرمك أن تتحرك بولاية جنوب كردفان وتحتل الولاية وعاصمتها ثم تتحرك نحو الخرطوم، وهذه المعلومات كانت متوفرة لدينا قبل عيد الأضحى، ومخطّط هذه المجموعات أن ينفَّذ هذا التحرُّك في إجازة عيد الأضحى المبارك، لذلك كانت الأجهزة الأمنية واعية ومستعدة وتتابع من خلال الأجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية، وكانت هذه الجاهزية للمواجهة والردع، وهو يتمثل في هزيمة نكراء بالنسبة للحركة الشعبية في جبال النوبة. يُعوَّل كثيرًا على اتفاقية الدوحة بشأن دارفور.. وبالرغم من ذلك بدأ التباين والاختلاف بشأن الوظائف والاختصاصات.. ما هو تعليقك؟ اتفاقية الدوحة واضحة جداً كما ذكر دكتور السيسي، وهناك نصوص واضحة للوظائف التي يتولاها ولاة الولايات، وهنالك كذلك نصوص واضحة للوظائف التي تتولاها الحكومة الانتقالية، وأرى ألّا يكون هناك إشكال في قضايا محسومة بنصوص الاتفاقية. ما زالت أبيي إحدى القنابل الموقوتة خاصة بعد تصريح باقان حول تبعية ومستقبل المنطقة.. ما هي المعالجات؟ باقان واهم وهو يظن أننا نتعامل مع أبيي بهذه الانتهازية، وعليه أن يعلم بأن أبيي شمالية وسوف تظل هكذا تحت رعاية الأممالمتحدة والقوات الإثيوبية إلى أن يتم الوصول إلى اتفاق حولها. هل تمّت أي مباحثات جديدة في القضايا العالقة بين دولة الشمال والجنوب؟ وفد الحكومة غادر الخميس الماضي إلى أديس أبابا وسوف تبدأ المباحثات في كافة المجالات المطروحة الاقتصادية والتجارية والحدودية وإلى آخره تحت رعاية اللجنة الإفريقية. هناك من يتحدث عن دستورية السيسي وتعارضها مع الولاة المنتخبين؟ لا يوجد تعارض ولا يوجد غموض في هذه المسألة، فهي واضحة بالنسبة لنا وبالنسبة للسيد رئيس السلطة الإقليمية لدارفور. تحدثت عن قضية أبيي إجمالاً.. فما هي الأطروحات أو المعالجات الجارية الآن لهذه القضية؟ تعتمد إلى حدٍّ كبير على الطرف الآخر، إذا كانت حكومة جنوب السودان فهمت الرسائل التي أُرسلت إليها وبدأت تتجاوب مع الأطروحات التي قدّمتها الحكومة للوصول إلى حل، أما إذا كانت مازالت تتمترس في أطروحاتها السابقة فلا أعتقد أن نصل إلى اتفاق. عطفاً على مجمل القضايا التي تحدثت عنها كيف يمكن النظر للوضع السياسي الراهن؟ الوضع السياسي الآن تتنازعه العديد من القضايا الداخلية والإقليمية والعالمية وكلها تبدأ وفق مبدأ السياسة الذي يقوم على المصالح الدائمة ويتصف الواقع السياسي الداخلي بالحراك المضطرب وفقاً لمستجدات الأحداث وصيرورتها.. فانفصال الجنوب يعتبر التحدي السياسي الأول لنظام الإنقاذ، وكان السلام من جهة أخرى يعتبر من أكبر إنجازاتها، رغم ذلك تفجّرت أيضاً قضية جنوب كردفان والنيل الأزرق ومازالت دارفور متأزمة وفي خضم المعادلات السياسية يتشرف المؤتمر الوطني بأنه حزب قائد بإرادة أكثرية الشعب السوداني وانحيازه له، الأمر الذي يحتِّم الاحتفاء السياسي بذلك وتوظيفه لمصلحة الخط السياسي للمؤتمر الوطني وفق الشفافية المطلوبة وتخفيف معيقات ومهدِّدات ذلك الولاء الشعبي الكبير، ومنع المعارضة من أن تصطاد في الماء العكر، فكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات أبعاد سياسية، بل هي المحرِّك للسياسة الأمر الذي يقتضي المزيد من التنسيق والتواصل بين القطاعات المختلفة. وعلى المستوى الإقليمي كيف ترى الأوضاع السياسية؟ إقليمياً الوضع السياسي حدثت فيه تحولات سياسية في مصر وليبيا وإن بدت إيجابية في حينها للسودان بتغيير أنظمة حكم كانت على عداء مع الحكومة والحزب لمصالح الغرب وسياساته، أما القرن الإفريقي «إريتريا وإثيوبيا» فإن العداء بينهما وظروف الحرب والجفاف والمجاعة ستشكل عبئاً سياسياً في إدارة هذا الملف، فبناء علاقات سياسية قائمة على المصالح والقواعد الراسخة ستكون أجدى من سياسة الانفعال وردود الأفعال، أما دولة تشاد وما أُسس لها من علاقات انعكست إيجاباً على حرب دارفور رغم التدخل القبلي، أما دولة الجنوب الوليدة في نشوة الانتصار بتحقيق الانفصال وضعف البنيات وقلة الخبرات وكثرة التدخلات للسيطرة عليها ستكون عبئاً متجدِّداً على السودان ولو لبعض حين حتى تستقر أمورها. قراءة الوضع السياسي وما يترتب عليه ترتبط مباشرة بدول أخرى غربية أو دول جوار كيف تنظر إلى هذا المحور؟ ظلت السياسة الخارجية للمؤتمر الوطني تقوم دوماً على مبادئ السلم والاستقلالية والعزة لتوطيد الصلات مع شعوب العالم ومؤسساته وأحزابه على أساس متين من القيم الإنسانية المشتركة ورعاية للمصالح الثنائية والجماعية من أجل عالم يسوده الأمن والسلام والاستقرار، ولأهمية العلاقات الخارجية وتعاظم شأنها قرر المؤتمر الوطني ترفيع أمانة العلاقات الخارجية لتصبح قطاعاً للعلاقات الخارجية وظلت أمانات القطاع الخمس أمانة آسيا، وأمانة إفريقيا وأيضاً أمانة العالم العربي بالإضافة إلى كثير من الأمانات توظِّف كل طاقتها وقدراتها لمصلحة البلاد واستقرارها وتوثيق علاقات المؤتمر الوطني الخارجية. هذه أطروحات عامة ولكن تحديداً ما هي موجِّهات السياسة الخارجية؟ نصّ النظام الأساسي للمؤتمر الوطني على أن يسعى الحزب إلى تأكيد استقلال الأمة في سياستها الخارجية والانفتاح نحو الجيران والعالم أجمع من أجل إبلاغ رسالة المبادئ السامية وتحقيق المصالح العليا للبلاد وللإنسانية كافة، وتقوم السياسة الخارجية على أسس راسخة منها الوحدانية، والحرية والعدل والمساواة بين البشر «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوي» كذلك رفض التمييز القومي والعنصري بالإضافة إلى الانفتاح على العالم وتحقيق حماية الأمن القومي للدولة وتأمين المصالح الاقتصادية وتعزيز العلاقات الشعبية مع شعوب العالم ونشر القيم والأخلاق وربط أبناء السودان بالخارج بما يدور في الوطن بالداخل، وبهذه الأسس والأهداف والآليات تواصل المؤتمر الوطني مع القوى السياسية على الصعيد الدولي في مختلف الظروف منها على سبيل المثال آسيا واتسعت كذلك علاقات المؤتمر الوطني بأكثر من تسعين حزباً في القارة الآسيوية. انتهى المؤتمر.. فماذا بعد؟ في تقديرنا أن أولويات المرحلة المقبلة تتمثل في توظيف طاقات الحزب وتعبئة القوى السياسية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام السوداني والأحزاب الشقيقة والصديقة للدفاع عن مصالح السودان وتطوير آليات الحوار مع دولة جنوب السودان الوليدة، ونسعى بكل ما في وسعنا لمنع الانزلاق إلى دائرة العنف والفوضى بين الدولتين والعمل الدؤوب لتأسيس إستراتيجية تقوم على الحوار والتعايش السلمي المشترك وتأسيس قواعد راسخة تضمن حسن الجوار مع الجنوب، كما نسعى لتبادل التجارب والخبرات ودعم قضايا الأمة الإسلامية ومواصلة الجهود لإحداث اختراق واضح في العلاقة مع أوروبا وأمريكا وحشد الدعم السياسي الحزبي الخارجي للسودان، هذه وغيرها من الأولويات في المرحلة المقبلة.