بعد اتهام الولاياتالمتحدةالأمريكية السودان في ظل حكم ثورة الإنقاذ الوطني بالإرهاب ودعمه وإيواء إرهابيين، وضعته ضمن الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1992م، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الولاياتالمتحدة تحشد المنظمات الدولية والدول الغربية ضد السودان، وقد نجحت في ذلك، وتمثل ذلك في: 1- قرارالاتحاد الأوروبي تجميد عضوية السودان ومخصصاته من اتفاقية لومي حتى 1991م. 2- تجميد عضوية السودان في صندوق النقد الدولي في 1994م. 3- قرارات مجلس الأمن 1044، 1054، 1070 بالإدانة والعقوبات عقب محاولة الاغتيال المزعومة للرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك» بأديس أبابا 1995م واتهام السودان بالضلوع بتلك المحاولة. قصف مصنع الشفاء ومشكلة الجنوب: 4- وكانت ذروة التصعيد الأمريكي ضد السودان هي «قصف الصواريخ الأمريكية لمصنع الشفاء للأدوية في 1998 بحجة أنه يصنع مواد كيميائية، وذلك عقب تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة بكينيا وتنزانيا».. وبعد ذلك تدخلت الولاياتالمتحدة في مشكلة الجنوب بالدعم المادي والمعنوي لحركة التمرد، وفي أكتوبر 1993 أقامت لجنة الشئون الإفريقية بالكونجرس، ومؤسسة السلام الأمريكية ندوة «السودان: المأساة المنسية»، وقد اتفقت الندوة على أن مسببات الحرب عديدة، إلا أن السبب الرئيس يرجع للعامل الديني. كذلك تبنت الولاياتالمتحدة صراحة دعم مبادرة »إيجاد«، لأنها تتضمن حق تقرير المصير، وفصل الدين عن الدولة، -1- تكوين تحالف أمريكي دولى لتفكيك حكم الإنقاذ! 5- في فبراير 2001م أصدر »مركز الدراسات الإستراتيجية« مشروعاً أمريكياً بعنوان: »الورقة الأمريكية لتحقيق الحل السياسي الشامل«، وأوصى بتكوين تحالف دولي للضغط على حكومة السودان. وإلى فبراير 2001م كانت السياسة الأمريكية تضغط على نظام الإنقاذ لتفكيكه والعمل على انصهاره، إلاّ أن تحولا طرأ على هذه السياسة، نتيجة عدة أسباب تتمثل في: 6- اقتناع الإدارة الأمريكية «الجمهورية» بالفشل النسبي للإدارة الأمريكية السابقة «الديمقراطية» في تدابيرها تجاه عزلة السودان عن المجتمع الدولي. 7- بات السودان ضمن الدول النفطية، التي يعتبر نفطها من النوع الجيد، وتنبهت الولاياتالمتحدة لذلك، بالإضافة إلى دخول الدول الآسيوية من بوابة البترول وبسط نفوذها في السودان، خاصة الصين، الأمر الذي أزعج الولاياتالمتحدة وجعلها تسارع بالتحرك تجاه السودان. 8- أدى الانقلاب الداخلي لنظام الإنقاذ على منظّره الدكتور الترابي، إلى تغيير كبير في نظرة الولاياتالمتحدة، وإمكانية الاستفادة من ذلك الانقلاب لمصلحتها، فبدأت تسارع الخطى نحو تحقيق السلام بالسودان وإمكانية إيجاد الحل السياسي الشامل، بعد قبول جميع الأطراف المبادرة المصرية الليبية، إلى خشية الولاياتالمتحدة من استبعادها تماماً من عملية إدارة الصراع السوداني، فبادرت بالتحرك نحوه. 10- إرسال مبعوث السلام الأمريكي، وهو يختلف عن هاري جونسون المبعوث الشخصي للرئيس السابق عام 1996، فمنذ الوهلة الأولى تمت تسمية المبعوث ب«مبعوث السلام« دلالة على تحقيق الحل السياسي للمشكل السوداني وإحلال السلام بالبلاد. 11- رفع العقوبات عن السودان من قبل مجلس الأمن بعد امتناع الولاياتالمتحدة عن التصويت «لتمرير القرار»، فقد تم في جلسة المجلس التي تم تأجيلها بسبب أحداث الولاياتالمتحدةالأمريكية من 16/9 إلى 27/9/2001 رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، بعد أن قدمت مصر وإثيوبيا تقريرهما عن السودان، وأكدتا فيه عدم ضلوعه في محاولة اغتيال الرئيس المصري بأديس أبابا 1995م. 12- تقديم الولاياتالمتحدة مساعدات للسودان تصل إلى «30» مليون دولار، مع التصريح بإمكانية رفعها إلى «100» مليون دولار، للتنمية في المناطق الشمالية والجنوبية؛ ما يؤكد عدم تحيز الولاياتالمتحدة للمناطق الجنوبية فقط. 13- الحكومة من جانبها رحبت ترحيبًا كبيرًا بالتقارب والتطبيع، اللذين كانت تسعى لهما منذ أواخر التسعينيات من القرن العشرين، وباتت مستعدة للتعاون مع الولاياتالمتحدة بفعل الضغوط الخارجية، وازدياد نشاط المعارضة، وحركة التمرد، ولتحقيق عدد من المكاسب تتمثل في: الخروج من دائرة الحصار برفع العقوبات. التقارب مع دول الاتحاد الأوروبي. إغلاق ملف المشكلات مع دول الجوار، خاصة إريتريا، وأوغندا، وقد أبدت الدولتان استعداداً لذلك. تقوية موقفها في المفاوضات مع حركة التمرد، إذ أصبحت الحكومة ميالة للمبادرة المصرية الليبية، وتحاول الوصول لحل سلمي من خلالها، ومن جهة أخرى تعمل على تفكيك مبادرة الإيجاد. أوباما يميل للحوار والكونغرس يرفضه: 14- على الرغم من كل ذلك ظل السودان بعيداً إلى درجة كبيرة عن أذهان الساسة الأمريكان حتى ظهرت الاكتشافات النفطية الأخيرة التى تبشر باحتياطيات ضخمة ومن ثم فقد بدأ الساسة الأمريكان بوضع السودان في قائمة الاهتمام. ورغم ذلك تشهد السياسة الأمريكية تجاه السودان غموضاً كثيفاً نسبةً لعدم توحد مواقف القوى السياسية الفاعلة في صناعة القرار الأمريكي بشأن السودان، فهناك أمريكا الجديدة التي يقودها الرئيس باراك أوباما، وهناك الكونغرس الذي تسيطر عليه قوى أخرى، وهناك مجموعة من مراكز القرار الأخرى، ولذلك هنالك صراع أمريكي حول السودان، وبالتالي يبدو من الصعب القول بوجود سيناريو أمريكي متفق عليه بين تلك القوى المتباينة. وبينما ينتهج أوباما سياسة الحوار، يفضل الكونغرس المواجهة بدلاً عن سياسة الحوار، ولهذا واصل الرئيس أوباما » سياسة العداء للسودان بتلك الاتهامات القديمة وهى: «استمرار حكومة السودان في الإجراءات والسياسات المعادية لمصالح الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يشكل تهديداً مستمراً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة»-2- وأقول إنه لم يعد مثار جدال حول حقيقة أن السبب الرئيس للعداء الأمريكى للسودان «ديني» وذلك منذ أن ظهر للولايات المتحدة ولإسرائيل وللدول الأوروبية وجه ثورة الإنقاذ الوطني إسلامياً، دعوة للدين، وثقافته، ورسم السياسات الداخلية والخارجية على هدى تعاليمه، وقناعتي السياسية هي أن سياسة العداء الأمريكية للسودان ستطول بطول عمر حكم الإنقاذ، أو تركيعه أو إزالته، بكل الوسائل السلمية والمسلحة، كما ورد في »وثيقة طيبة« التي أقرتها أحزاب المعارضة السودانية الأسبوع الماضي، ولي عودة لتلك الوثيقة. المصادر: 1- ندوة مركز الدراسات الإستراتيجية. 2- ندوة الكونغرس الأمريكي عن «السودان، المأساة المنسية».