انعقدت بقاعة الصداقة الجمعية العمومية للأحزاب المشتركة في الحوار الوطني برئاسة السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني وقُدمت ثلاثة تقارير عن مقررات لجنة ال 7+7 وخريطة طريق المفاوضات وما دار في أديس أبابا بين ممثلي الجبهة الثورية الذين حضروا ووقعوا وثيقة باريس وبين ممثلي لجنة ال7+7 وأُجيزت الثلاثة تقارير حزمة واحدة، وأُتيحت الفُرص لبعض المتحدثين الذين اختصرت مداولاتهم المقتضبة على بعض المسائل الإجرائية ولم يخوضوا في تفاصيل مواضيع أخرى وانفض الاجتماع على أمل أن تبدأ جلسات المؤتمر المزمع عقده في نهاية شهر نوفمبر الجاري، وأُعلن أن هذه المهمة ستكتمل بعد ثلاثة أشهر ولا ندري هل المقصود بذلك أن تنتهي في بدايات شهر فبراير القادم أم ستحسب هذه الثلاثة أشهر بعد بدء افتتاح جلسات المؤتمر القادم، وبهذا تنتهي جلساته وتصدر توصياته في نهاية فبراير القادم وهو شهر قصير أو في بداية شهر مارس القادم. وإن خطاب الوثبة الشهير الذي ألقاه السيد رئيس الجمهورية بقاعة الصداقة في اليوم الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي قد مضت عليه تسعة أشهر وأسبوع أي حوالي مائتين وثمانين يوماً وهي فترة طويلة كانت كافية للتمهيد والتجهيز واختيار اللجان وإعداد الأوراق وعقد مؤتمر الحوار الوطني ولو تم ذلك لأضحى كل شيء الآن واضحاً، ولكن كان النظام الحاكم في الفترة المشار إليها يركز جُل اهتمامه على تنظيم وترتيب بيته الداخلي وانشغل بعقد مؤتمرات حزبه وفي نهاية المطاف عُقد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني وبعد ذلك أُلتفت للإعداد لعقد مؤتمر الحوار الوطني وتزامن هذا بل سبقه بدء مفوضية الانتخابات في عملها وتجري الآن عملية تسجيل الناخبين التي ستنتهي في الحادي عشر من هذا الشهر إيذاناً بفتح باب الترشيحات على كل المستويات الرئاسية والبرلمانية والولائية في شهر ديسمبر القادم، وستمضي المفوضية في عملها وفق الجداول الزمنية المحددة وهي تقوم بمهام فنية وتنفذ ما يوكل إليها وليس من حقها أن تتدخل في تأجيل الانتجابات أو غير ذلك وهذه هي مهمة أطراف أخرى إذا توافقت على ذلك، ولكن كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن حزب المؤتمر الوطني يمضي قدماً في إجراء الانتخابات حتى نهايتها وإعلان نتائجها، ويدرك الجميع أن النتيجة معروفة سلفاً وفق المعطيات الماثلة. ويدور الآن أخذ ورد حول اختيار الولاة وهل يتم بالانتخاب المباشر أم بالتعيين ولعل البعض يخشون من حدوث تفلتات وعدم انصياع لرئاسة الجمهورية وظهور إزدواجية وثنائية إذا كان الوالي الفائز من حزب المؤتمر الوطني من المعتدين بأنفسهم أكثر مما يجب، وربما يكون التفلت أكثر وقد يصل درجة العصيان إذا كان الفائز من حزب اَخر غير حزب المؤتمر الوطني. والمتوقع على مستوى كثير من الدوائر الجغرافية أن تحدث في الانتخابات القادمة منافسات محلية تؤدي لصراعات قبلية ليس لها مثيل من قبل، والمؤكد أن حزب المؤتمر الوطني سيمنح بعض الأحزاب الدائرة في فلكه أوالمتحالفة معه عدداً مقدراً من الدوائر شريطة أن يكون هو صاحب الأغلبية المسيطر والمهيمن، وإذا سارت الأمور بوتيرتها الحالية دون ان يحدث مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده تغييراً واتفاقاً على تأجيل قيام الانتخابات والاتفاق على تمديد شرعية المؤسسات القائمة لمدة عام أو أكثر لترتيب البيت السوداني من الداخل، وإذا لم يحدث ذلك فإن الأمور ستظل بعد ظهور نتائج الانتخابات في أبريل القادم تراوح مكانها لتكون الدورة القادمة طبق الأصل للدورة الحالية مع توقع تحرشات وتحركات أجنبية بطريقة مباشرة وغير مباشرة لشن حرب اقتصادية خفية مع دعم حركات التمرد مالياً ولوجستياً، مع السعي لخلق بؤر تمرد بمناطق أخرى، ليس ذلك فحسب بل إن كثيراً من الحانقين في الداخل من أصحاب التأثير السياسي والنفوذ المالي وغيره ربما يسعون لافتعال أزمات في المواصلات وإحداث ندرة مفتعلة في بعض السلع المهمة ورفع الأسعار لإثارة الشعب وإغضابه ضد السلطة. وإن التصريحات الناعمة لبعض القوى الأجنبية في الخارج وإعلانها عن نيتها في تحسين علاقتها مع السودان كما ظلت تردد دائماً طوال السنوات الماضية دون اتخاذ قرارات رسمية هي مجرد ذر للرماد في العيون، وكما جاء في المثل «إذا سبح القيطوني هم بسرقةٍ» وهم ربما يعلنون شيئاً ويخططون لأشياء أخرى، وأعلنوا جميعاً أنهم يولون الحوار الوطني اهتماماً بالغاً ولعلهم يضعون عليه آمالا عِراضاً لتفكيك النظام وإعادة تركيبه وصياغة توجهاته وتحديد مساراته وسياساته وفق هواهم، أما النظام فهو يتعامل معهم بدهاء ويعلن انه سيطبق ما يريدون وسيظل يردد في الشهور القادمة أن الحوار الوطني يمضي على قدم وساق حتى يفاجئهم في نهاية المطاف بإعلان نتائج الانتخابات واكتساب شرعية لدورة قادمة وليشربوا من البحر لتدور دائرة الشد والجذب ولعبة القط والفأر بين الطرفين، أما الشعب السوداني العظيم فإنه يأمل في عملية إصلاح شامل وترك المعارك الهوائية الانصرافية بين الحاكمين والمعارضين، ويأمل في نهضة شاملة ودولة مؤسسات راسخة يكون فيها الشعب رقيباً حسيباً ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه ولا يمكن أن يبقى على الرصيف متفرجاً، وينبغي ألاّ يعزل الحوار الوطني أحداً وأن يتم التعامل مع الجميع وفق أحجامهم وأوزانهم دون اتخاذ أصحاب وزن الريشة مجرد ديكور.