تهتم وسائل الإعلام والصحف في كل الدنيا بالأخبار الثانوية أحياناً وتبرزها وتركز عليها مقابل أخبار الحدث الرئيس، فأمس اهتمت صحافتنا وأبرزت بشكل لافت، خبر تعثر رئيس دولة الجنوب على سلم الطائرة وهو يهم بمغادرة البلاد قبل أن تؤجل الزيارة بسبب عطل فني بالطائرة، وأكثر الصحف لم تبرز في خطوطها الرئيسة نتائج المباحثات وما خرجت به وتركز كل اهتمامها بأقدام سلفا كير، وزادت بعض الصحف من عندها باعتبار تعثره سقوطاً على سلم الطائرة، وفتحت التكهنات حول صحته وتدهورها الأمر الذي جعل سفارة جوبابالخرطوم تصدر بياناً حول صحة الرئيس سلفا كير، وذهب سفير السودان في جوبا إلى ذات النفي مع توضيحات أكثر حول أسباب تأجيل الزيارة لعطل فني وتمنعها حالة مطار جوبا من الهبوط ليلاً حتى في حالة إصلاحها. مثل هذه الأخبار المتعلقة بالرؤساء والقادة والمشاهير وما يحدث لهم كغيرهم من البشر أو الأخطاء المراسمية التي يقعون في حبالها وتصرفاتهم الفجائية الغريبة، تتناولها وسائل الإعلام بشكل مكثف وتذهب إلى تضخيمها وتنقلها للمتلقي وكأنها حدث بذاته له تبعاته وأبعاده السياسية، فقبل سنوات سقط الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن خلال مأدبة عشاء أقامها له إمبراطور اليابان في طوكيو، وكانت شبه إغماءة صغيرة، فلم تجد الصحافة والفضائيات العالمية لأيام وليالٍ طويلة حدثاً يستحق الإبراز والتحليل غيره، وفي عام 1998م كان وزير الدفاع السوري الأسبق العماد مصطفى طلاس يتحدث في احتفال بوزارة الدفاع وتعثر في المنصة وسقط، فصار حدثاً له دوي، واعتبرته بعض وسائل الإعلام بداية النهاية له في وزارة ظل يشغلها منذ السبعينيات.. وقبل أسابيع أثار غياب الرئيس الكوري الشمالي لغطاً كبيراً خاصة بعد أنباء عن سقوطه مغشياً عليه، وذهبت التوقعات حول مرض عضال ألم به، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام الكورية تعرض أخباراً مصورة له وهو يظهر في أكثر من مكان لطمأنة الشعب.. وصحة الرؤساء وأخبارهم تهم شعوبهم، وكثيراً ما تضطر الحكومات لإخفائها لأسباب سياسية معلومة، كما حدث مع مرض الزعيم الصيني ماوتسي تونغ والرئيس الروسي برجينف الذي ظل مريضاً لأكثر من عقد من الزمان، والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والرئيس الفرنسي الأسبق ميتران، ورؤساء وقادة أفارقة وعرب كثر. وحدثت إغماءات للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أكثر من مرة في آخر أيامه، ولبعض حكام الخليج العربي والرؤساء المصريين السابقين السادات وحسني مبارك وللملكة اليزابيث الثانية ولكثير من القادة الأفارقة، لتجد كلها الطريق سالكاً لتفسيرها سياسياً وزيادة بهاراتها وتوابلها ومشهياتها، وهنا في السودان توجد قصة مشهورة يرويها اللواء طيار «م» عبد الوهاب جباي حول الإغماءة والسقوط عند المنصة للرئيس الأسبق جعفر نميري في مدينة الدلنج ونقله من هناك إلى الأبيض ثم الخرطوم ثم سفره للعلاج في لندن. ويتعرض بعض الرؤساء والقادة لمواقف محرجة تضطرهم للإتيان بتصرفات غريبة، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال حفل مراسم تشييع الزعيم الجنوب إفريقي نلسون مانديلا ظهر غير مهتمٍ بالمناسبة، وتركزت أعينه واهتماماته في ملاطفة رئيسة وزراء الدنمارك الأمر الذي أغضب زوجته ميشيل أوباما كما قالت الصحافة العالمية، ولم يكن لائقاً في أحدث لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المستشارة الألمانية ميركيل، أن يصطحب معه كلبه الضخم الشرس في وجودها، وقد انشغلت وسائل الإعلام بتكشيرات الكلب أكثر من اللقاء وما دار فيه، وفسرته بأنه رسالة من روسيا إلى أوروبا.. وكان رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني كثير الأخطاء في اللقاءات العامة، وتصدر منه أفعال غريبة لا قيمة لها لكنها تستقطب الاهتمامات الإعلامية والتأويلات المختلفة، مثل تقبيله يد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على طريقة تقبيل أيادي الأميرات والملكات، والقذافي نفسه له الكثير من التصرفات غير اللائقة، وتحدث له هفوات قاتلة وأحداث مفاجئة كتعثره في ثيابه الإفريقية الفضفاضة في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي في بدايات توجهاته الإفريقية، فعندما هبط من الطائرة في مطار واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو تعثر على ذيول عباءته الإفريقية المزركشة وكاد يقع على الأرض لولا تداركه حراسه ومرافقوه. ويذكر عن رؤساء كبار في الولاياتالمتحدة ودول أوروبية وقادة مشهورين، نسيانهم أسماء ضيوفهم من الرؤساء والقادة خاصة بلدان العالم الثالث، أو خطأهم في نطق أسماء البلدان والرؤساء في الخطابات الرسمية، وكان القذافي يعيب على القادة العرب وقوعهم في أخطاء لغوية ونحوية وعدم معرفتهم باللغة الإنجليزية. مثل هذه الأخبار وأقدام سلفا كير المتعثرة على سلم الطائرة، تأخذ أهميتها من كونها تخطف الأضواء من الأحداث الحقيقية، وتصرف اهتمام العامة، وتعطي ألواناً في الأفق العام، وتشغل الناس ثم تضيع وراء العتمة.