يتجه حزب الحرية والعدالة وهو الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، للفوز بالانتخابات المصرية لاختيار أعضاء مجلس الشعب، في أول انتخابات تعددية حرة تجرى في مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك، وهو فوز متوقع نظراً لما يمثله حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان من ثقل سياسي وفكري واجتماعي يؤهل للفوز بالانتخابات، وللدور البارز الذي لعبه الإخوان في الثورة التي أسقطت النظام السابق وأعادت مصر لعهد التعددية السياسية والحزبية والديمقرطية. ووفقاً للنتائج غير الرسمية فإن حزب الحرية والعدالة قد اكتسح الانتخابات ويتوقع أن يكون فوزه بنسبة تتجاوز ال40% من جملة أصوات الناخبين في أكبر مشاركة انتخابية في تاريخ أرض الكنانة. ويليه حزب النور السلفي ثم بقية الأحزاب الأخرى، حيث يتوارى التيار العلماني المصري الذي احتكر الحكم في مصر لعقود طويلة في العهد الخديوي والملكي وطيلة عهود ثورة 23 يوليو من 1952 حتى نهاية نظام مبارك في 2011م. ويرجع فوز التيار الإسلامي المصري بتشكيلاته المختلفة، حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي، إلى أن هذا التيار إلتزم نهجه وصدق في دعوته واستعصم بفكرته، وواجه البطش والقهر والكبت وتصدى لكل حملات التغريب والاستلاب التي مُورست على الشعب المصري، وواجه طغيان الطغاة، ولم يضيِّع هؤلاء الإسلاميون الوقت في التناحرات السياسية ومغالبة الباطل فقط، إنما اتجهوا مباشرة لخدمة المجتمع وإنشاء الجمعيات الخيرية وتوفير الخدمات من صحة وتعليم وتطوير ودعم الفئات الفقيرة والاشتغال بالدعوة الإسلامية ونشر الوعي وتثبيت عرى البعث الإسلامي والمدافعة عن الجذور والقيام بواجب المدافعة الفكرية في مواجهة الحملة التغريبية العلمانية التي أرادت إبعاد مصر عن دورها التاريخي ومنعها من التدثر برداء الضياء المشع من نور الإسلام العظيم. ويحسب لحركة الإخوان المسلمين في مصر أنها اهتمت بالمجتمع وقضاياه وعبّرت عنها، وكانوا هم الأقرب للمجتمع والألصق بهمومه، ولم تهمل الريف ولا مناطق الاستنارة والوعي، وظلت الحركة ذات وجود فاعل في انتخابات النقابات المهنية لسنوات طويلة خلت وتحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات التي كانت تجرى في ظل النظام السابق. ولم يكن ذلك إلا تجسيداً لتواصلها مع كل فئات الشعب ومستوياته، الأمر الذي جعلها في الانتخابات الحالية التي جرت عقب الثورة المصرية الظافرة، هي الأقرب للفوز عن طريق حزبها الحرية والعدالة الذي هو عبارة عن جبهة تحالف عريضة لتيارات إسلامية وقوى اجتماعية، والأغرب أن في قوائم الفائزين في الحزب عدداً من الأقباط والمسيحيين المصريين ، مما يشير إلى أن الحزب يُقدِّم تجربة فريدة لصهر الخلافات المذهبية والدينية والمناطقية في مصر تتوافق مع برنامج الحزب وخطته، لبناء دولة مؤسسات قوية وتقديم تجربة إسلامية تستطيع الإجابة عن أسئلة السياسة وحقوق الأقليات والحياة المدنية والمحافظة على حقوق الإنسان وتبرئة الإسلام من التهم الباطلة التي تحاول بعض التيارات العلمانية إلصاقها به. يتعزز بهذا الفوز الكبير للحركة الإسلامية المصرية، الدور التاريخي الذي تراجع في مصر، وتستعيد به ماضيها كقلب للأمة الإسلامية والعربية تبعث الآمال في إحياء المشروع الإسلامي الذي قدّمه الشهيد الإمام حسن البنا، بأن يسود الإسلام ويعود من جديد مُشيِّداً مجد الأمة التليد وينهض فيه المسلمون من رقادهم الطويل ويستفيقون لبناء نهضتهم وهداية العالم والإنسانية إلى سبيل الرشاد.. وبما أن حزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان المسلمين، يتهيأون لتكوين حكومة في مصر عقب الإعلان النهائي للانتخابات في مراحلها المختلفة وبعد انتخابات رئاسة الجمهورية، فإنه لابد من الإشارة إلى أن قدر الله نافذ فمهما حاول الطغاة إطفاء نور الله بأفواههم وطغيانهم وبطشهم فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فقد ظن الغرب وكلاب صيده من الأنظمة العربية والديكتاتوريين في مصر وغيرها أنهم قد أجهزوا على الإسلام وحركته وقضوا عليها ونكلوا بشبابها واغتالوا أئمته وقيادتها من حسن البنا لسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم.. ها هي حركة الإخوان المسلمين تُطلُّ عليهم وتنهض أرواح الشهداء الأحياء ويرتاح الشهيد الإمام حسن البنا في قبره ويغمض عينيه في اطمئنان... لقد ربح البيع.. ربح البيع ..!