تشهد الفترة الراهنة المضي قدماً في إجراءات الانتخابات من جهة والحديث من جهة أخرى عن حوار وطني أعلن أنه سيبدأ في نهاية هذا الشهر ويستغرق ثلاثة أشهر يتوقع أن تصدر بعدها توصياته وفي هذا محاولة للركوب على سرجين في وقت واحد. وإن مفوضية الانتخابات تمضي في عملها لا تلوي على شيء وفق جداول زمنية محددة ومهامها تنفيذية وفنية وتأجيل الانتخابات ليس من اختصاصها وبذات القدر صرح عدد من القياديين بحزب المؤتمر الوطني بأن تأجيل الانتخابات ليس من اختصاصهم ولكنهم ذكروا أن القوى السياسية لو أجمعت في مؤتمر الحوار على إرجاء إجراء الانتخابات فإنهم سيوافقون على ذلك ولكن هذا قول يدحضه الواقع لأن الوصول لتوصيات الملتقى الجامع والبت فيها ومحاولة تنفيذها ستأخذ وقتاً تكون فيه الانتخابات قد أجريت وأعلنت نتائجها. وتطرح الآن عدة أطراف ثلاثة سنياريوهات. والسيناريو الأول هو المضي قدماً في إجراء الانتخابات ويردد بعض أركان النظام الحاكم بأن عدم إجراء الانتخابات في موعدها سيفقد النظام شرعيته الدستورية عندما يحل شهر أبريل القادم وهو قول تدحضه بعض الشواهد والسوابق في هذا العهد إذ أن النظام أتى عن طريق انقلاب عسكري وفي مرحلته الأولى كان يستمد وجوده ويستند إلى الشرعية الثورية دون حاجة لتفويض شعبي عن طريق صناديق الانتخابات وقام بتعيين لجان شعبية إقليمية على مستوى اقاليم السودان التسعة التي كانت قائمة وقتئذٍ وتبع ذلك تكوين لجان شعبية على مستوى المحافظات وفي المستويات الأدنى وفي عام 1992م كون لأول مرة في تاريخ السودان مجلس وطني وهو برلمان معين بكامله وليس فيه عضو واحد منتخب رغم أن الجمعية التشريعية التي كونت في عام 1948م كانت تضم أعضاء منتخبين انتخاباً غير مباشر واَخرين معينين. وفي مرحلة لاحقة أجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية وولائية في عام 1996م وأجريت انتخابات أخرى عامة في عام 2001م وكانت تلك الدورة ستنتهي في عام 2006م وتجري انتخابات عامة في ذلك العام لدورة جديدة أخرى ولكن اتفاقية نيفاشا فرضت وضعاً جديداً وأفرزت شرعية أخرى يمكن أن نطلق عليها شرعية الأمر الواقع إذ تم الغاء الانتخابات العامة التي كان يفترض أن تجري في عام 2006م وتم تعيين مجلس وطني معين في عام 2005م وكذلك عينت المجالس التشريعية في كافة ولايات السودان واستمرت هذه المجالس المعينة غير المنتخبة تباشر مهامها حتى أجريت الانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية والولائية في عام 2010م. وهذه الشواهد التي أوردتها تؤكد أن شرعية النظام الحاكم قد اكتسبت في بعض الظروف الإستثنائية دون حاجة لإجراء انتخابات وتبعاً لذلك يمكن ألا يفقد النظام شرعيته إذا تم تأخير الانتخابات الحالية لأي سبب مقنع إذا اتفقت على ذلك كافة القوى السياسية ولكن الإتجاه الغالب داخل النظام الحاكم أن تمضي الإتنخابات حتى نهايتها وإعلان نتائجها ويدرك الجميع أن النتيجة معروفة سلفاً باكتساح حزب المؤتمر الوطني للإنتخابات في كافة مستوياتها لأن الحزب الحاكم بهذه الطريقة يصبح مثل فريق كرة قدم يلعب وحده ويصوب لاعبوه أهدافهم في مرمى واحد لا يوجد غيره وقطعاً إنه سيمنح بعض الدائرين في فلكه عدداً من الدوائر لكن الأغلبية المطلقة ستكون عنده. والمعروف أن سجل الانتخابات معد وجاهز منذ الانتخابات الفائتة ولكن فتح المجال لمن فاتهم تسجيل أسمائهم في المرة السابقة أو لمن بلغوا سن الثامنة عشر من أعمارهم ويحق لهم أن يمارسوا حقوقهم الإنتخابية وبعض الرسميين ذكروا بأن عدداً كبيراً منهم قد سجلوا ولكن كثيرا من المواطنين يرددون أن الإقبال كان فاتراً وإن مفوضية الانتخابات تقوم بكل التجهيزات والإشراف على عملية التبشير والإعلان عنها ولكنها غير مطالبة بإحضار من يودون التسجيل من منازلهم أو أماكن سكنهم لأن الإقبال على التسجيل تمليه رغبات شخصية ولا تقع المسؤولية في هذه الحالة على مفوضية الانتخابات وكما قال المثل الإنجليزي (يمكنك أن تقود الحصان للنهر ولكن لا يمكن أن تجبره على الشرب..) ولا نريد أن نسبق الحوادث ولكن بعض المؤشرات تؤكد أن الإقبال على صناديق الاقتراع يتوقع ان لا يكون هناك حماس يذكر لها ان لم أقل انها ستكون فاترة لأن معاناة المواطنين قد بلغت ذروتها القصوى وارتفعت الاسعار ارتفاعاً جنونياً وبين الفينة والأخرى تحدث أزمات حادة في المواصلات والغاز والخبز الذي ضمرت أحجامه في كثير من المخابز ومما يدعو للعجب أن سعر رطل اللبن قد بلغ أربعة جنيهات كحد أدنى وفي بعض المناطق بلغ خمسة أو ستة جنيهات وهذا يعني حرمان قطاعات كبيرة منه والأكثر أسفاً حرمان كثير من الأطفال منه..... الخ وفي كل الأحوال إذا أجريت الانتخابات وانتخبت مؤسسات دستورية تكتسب الشرعية الدستورية فإن مهمتها بعد قيامها لمهامها ستكون شاقة ولن تكون مهمتها نزهة سهلة بل ستكون مجابهة بتحديات يشيب من هولها الولدان والمرحلة تحتاج لأقوى وأصلب العناصر. والسيناريو الثاني ينادي المطالبون به بضرورة إقامة حكومة انتقالية قومية تجري انتخابات عامة وهو مطلب يرفضه أهل الشوكة والسلطة لأنه يعني بالنسبة لهم تصفية النظام ولذلك لن يجد هذا السيناريو استجابة أو أذناً صاغية أما السيناريو الثالث فيتمثل في المطالبة بتأجيل الانتخابات ومد أجل المؤسسات الدستورية القائمة لمدة عامين يجري فيها النظام إصلاحاً وتجديداً داخله والاستعانه بالخبراء التكنوقراط وتوسيع دائرة المشاركة والاستعانة بأهل القدرات والمؤهلات من القوى السياسية الأخرى مع الوصول معها لتفاهمات تخرج الوطن من ضيق الأحادية لسعة المشاركة الجماعية.