الحصانة امتياز يمنح لبعض شاغلي المناصب في الدولة أقرته القوانين الدولية والمحلية، والمتمتع به تمنحه الحصانة ميزة عدم الخضوع لأحكام القوانين العامة في الدولة في ظروف معينة أو بصفة جزئية. لكن في الآونة الأخيرة صارت الحصانة من أكثر العقبات التي تعيق تحقيق العدالة، وأصبحت إشكالية حقيقية تؤرق القانونيين وتشغل الأوساط الاجتماعية جراء المصاعب في مقاضاة المتمتع بالحصانة، حيث تطول فترة منح إذن رفع الحصانة من قبل المدعي العام، ما يؤدي لتعطيل مجرى العدالة وضياع الحقوق. المتابع للخبر الذى أوردته «الإنتباهة» الذى يتحدث عن «14» نائباً برلمانياً عجزوا عن سداد اقساط سياراتهم التى حصلوا عليها من احد البنوك وان البنك مارس ضغوطاً واضحة لرفع الحصانة عنهم كى يتمكن من مقاضاتهم، وهو الامر الذي ظلت تشكو منه كثير من الجهات. المدقق للخبر يستوحى عدة اشياء، أبرزها ان االحصانة لا تزال تقف عقبة امام تطبيق العدالة ولا يزال كثير من المسؤولين يسيئون فهم واهداف واغراض الحصانة، بل البعض يتجاوز القانون ثم يحتمى بقلاع الحصانة، ويوجد كثير من الفاسدين يمارسون ألاعيبهم تحت حماية الحصانة والمراقب يجد ان موضوع الحصانة اصبح عقبة كأداء فى تطبيق العدالة وان هنالك فوضى فى منح الحصانات، للدرجة التى اشتكى منها وزير العدل العام الماضى بالبرلمان حيث اقر ان هذا الكم الهائل من الحصانات اعاق تطبيق العدالة، واعتبر ان ذلك يمثل التحدى الاكبر لوزارته وفى العام ذاته طالب مقرر المجلس الاستشارى د.معاذ تنقو اجهزة الدولة بتقليص الحصانات التى تمثل اكبر التحديات التى تواجه المجلس، فالمعضلة الاساسية تكمن الان فى رفع الحصانة فى حال ارتكاب فعل مخالف للقانون. والمدعى العام قال فى تصريح سابق ان الحصانات التى يتمتع بها مسؤولون كبار فى الحكومة والاجهزة الامنية فى الدولة تعرقل سير العد الة. سوابق ونماذج من النماذج في هذا السياق، هناك العديد من القضايا التي أحد أطرافها الذين يتمتعون بالحصانة، لم يتمكن الشاكون فيها من الوقوف مع خصومهم أمام منصة القضاء للفصل فيها، منها أحد رجال الأعمال الذي يتهم وزيراً اتحادياً بأنه سبب فقدانه لكل ثروته وإعلانه لإفلاسه العام 2003، بعد أن خدع ابنه وعرض عليه مشروعات استثمارية وهمية، ومن ثم استولى على كل أمواله، ومن حينها يحاول الدخول معه لقاعة المحكمة ليقول القضاء كلمته غير أنه لم يتمكن من مقاضاته حتى الآن بسبب الحصانة التي فشلت كل محاولاته في رفعها عن الوزير، حتى يقف معه أمام القضاء رغم اعتراف الوزير بجريمته كتابة وبخط يده باستلام أموال وآليات زراعية، وأما حالة وزير الإرشاد والأوقاف الأسبق أزهري التجاني الذي تمت تبرئته بحكم قضائي في قضية شهيرة تعتبر من السوابق القضائية النادرة في الآونة الأخيرة التي أحد أطرافها وزير اتحادي، وقف في قاعات المحاكم متهماً بعد أن رفعت حصانته، ليخرج بعد أن أخلت المحكمة سبيله بالبراءة، لتصبح واقعته سابقة قانونية يحتج بها القضاء الواقف «المحامون» مستقبلاً في القضايا المشابهة. ومن هنا يبرز السؤال عن متى تكون الحصانة وفيما تكمن مشكلة الحصانة فى السودان؟ المتمتعون بالحصانة يقول المستشار القانوني د. خليل حسن الخليفة إن الحصانة في الأصل ابتدعت لأداء الأعمال الوظيفية. ويمضي خليل شارحاً الحصانة وفق القوانين السودانية السائدة، مبيناً أنها تنقسم لنوعين، إجرائية وموضوعية، وتمنح للشخص حسب طبيعة منصبه، والأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة هم أصحاب المناصب الدستورية «الوزراء والولاة»، وأعضاء الجهاز التشريعي «البرلمان»، ومنسوبو الأجهزة العدلية من القضاة والمستشارين ووكلاء النيابات والمحامون، والقوات النظامية من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن بجانب الدبلوماسيين، مؤكداً أنها ميزة خاصة بالوظيفة وليس الشخص كمفهوم سائد الآن. وزاد: الحصانة لا تعني حجب تطبيق النظام القانوني على الشخص المتمتع بها، بل أن تسري عليه المحاسبة القانونية وفق الإجراءات التي تضمن سلامة العمل الذي يقوم به ذلك الشخص. مشكلة نصوص ويرى الخليفة أن مشكلة الحصانة في السودان تكمن في النصوص إذ أن هناك قصوراً في النصوص، اذ اكتفى المشرّع بمنح امتياز الحصانة مع تحديد الجهة التي تمنح الإذن لمباشرة الإجراءات. من خلال المعطيات يتضح أن المشكلة تكمن فى الاجراءات المعقدة لرفع الحصانة، لان القانون لم يحدد كيفية التعامل مع الامر ما لم تستجب الجهة التى يجب عليها الموافقة على الإذن برفع الحصانة.