خلال الحلقات الأربع الماضية وقف القراء الكرام على موجز تعريفي عن الطريقة البرهانية الدسوقية، وما أوردتُه هو من الموجز الذي يأخذ شكل النماذج والأمثلة، وإن التعريف بعقيدة وأوراد الطريقة البرهانية والحكم عليها هو من الأمور التي لا تصعب إذ كتب الطريقة وأورادها تنشرها هذه الطريقة، وقد كفى الله المسلمين في السودان شرها في عام 1398ه - 1979م عندما أصدرت السلطات السودانية بواسطة وزارة الداخلية قراراً بالقبض على أتباع هذه الطريقة وحرق كتبها، وانقطع نشاط الطريقة في تلك الفترة ولم يتح لها المجال لنشر خرافات الدسوقي ومحمد عثمان عبده البرهاني التي فيها إدعاءهما خواص الربوبية ومشاركة الله تعالى في تقدير الأمور بل إدعيا محو ما في اللوح المحفوظ والزيادة فيه!! حتى كان عام 1985م بعد زوال حكم الرئيس الأسبق جعفر النميري رحمه الله وغفر له، فرجع شيوخ هذه الطريقة لنشر ما في كتاب تبرئة الذمة وبطائن الأسرار وشراب الوصل وغيرها من الكتب التي تنضح بالكفريات والتي قمت بعرض بعضها في الحلقات الموجزة السابقة... لقد صدرت فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في سنة 1393ه - 1974م حكماً بحظر كتاب بطائن الأسرار وكتاب تبرئة الذمة في نصح الأمة اللذين ألفهما محمد عثمان البرهاني وتضمنت الفتوى الحكم بتكفير مؤلف الكتابين ومن ينتسب إلى هذه الطريقة!! وقد نشرت هذه الفتوى مجلة اللواء الإسلامي في عدديها الصادرين بتاريخ 20 و27 محرم 1409ه، ثم تم حظر الطريقة في جمهورية مصر إذ سبق قرار الحظر بمصر على قرار الحظر وتحريق الكتب في السودان. وكما غمز ولمز البرهاني شيوخ الطرق الأخرى بأنهم يحسدونه لما وجدته طريقته من انتشار فقد أصدرت جهات صوفية في مصر التبرؤ من هذه الطريقة والتحذير منها!! لقد وردتني في بريدي الإلكتروني رسائل عديدة من جملة من قراء هذه الصحيفة الغراء وأحد الذين أرسلوا خاطبي مناصحاً أن أتقي الله وأتحرى الأمانة العلمية في نقلي عن الطريقة البرهانية واستند في نصحه إلى أن ما أوردتُه من أقوال الدسوقي يتوقّع أنه يقصد وصف الله تعالى لا وصف الدسوقي نفسَه! وهذا الظن من الأخ الدكتور الكريم صاحب الرسالة يعكس أهمية النصح والبيان والتوضيح، وله ولغيره أضيف في هذه الحلقة هذين النقلين تأكيداً لما بينته في الحلقات السابقة في معتقد ومصادر وأوراد هذه الطريقة التي هي عبارة عن تشريع شيطاني جاء به الدسوقي والبرهاني يناقض المنهج الرباني وهدي رسول الله العدناني: الأول: في كتاب «قبس من نور» ص56 للبرهاني يقول «قمت بتعليم أحد المريدين في الطريقة الأوراد والإرشاد وبعثت به إلى بلدة ما يرشد وكان في هذه البلدة أبناء الطريقة الختمية فلم يعجب ذلك السيد علي الميرغني فقبض روحه فجاءني أحد الإخوان وقال لي أدركنا يا عم الشيخ فإن الرجل قبض روح أخينا فثرت ثورة شديدة وطرت أنا وعبده سبيكة بروحينا فوجدته ميتاً ومكفناً ينتظر الدفن ووجدت السيد علي واقفاً وممسكاً بروح المرشد فقلت له لماذا قبضت روح المرشد فقال أنا حر وهذا الملك ملكي أفعل فيه ما أشاء فقلت له لست حراً وأنا شريك لك في الملك قال لست شريكاً لي، قلت أيفعل كل واحد منا ما يريد فعله، قال نعم قلت له أتعي ما تقوله جيداً، قال نعم أعيه جيداً فناديت سيدي إبراهيم ورفعت يدي لأضربه وأسلب ما عنده من ولاية وفي هذه اللحظة حضر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجفنا ارتجافاً شديداً وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أعاد الروح للمريد فأخذ يسير هنا وهناك ثم حدثت مشكلة وهي أن الروح ترتبط بالرزق وكان السيد علي قد شطب رزقه قبل قبض روحه وهو الآن فقير يعيش على أرزاق غيره وكثيراً ما يأتي الي فأقول له اصبر الرجل قد شطب رزقك». قلتُ: يكفي عرضه عن نقده!! فماذا يقول المتصوفة وماذا يقول أتباع البرهانية؟! الثاني: قال محمد عثمان عبده البرهاني في كتاب تبرئة الذمة ص281-283: «ويظن البعض أن سيدنا جبريل عليه السلام كان هو الواسطة بين الله تبارك وتعالى وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ظن هذا فقد دل على عدم معرفته، إذ لو صح أن سيدنا جبريلاً عليه السلام كان الواسطة بين الله تعالى ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتعين وجود خلل في كلمة التوحيد فبدلاً عن لا إله إلا الله محمد رسول الله تكون: لا إله إلا الله محمد رسول رسول الله.. ثم سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن المكان الذي يأتي منه بالوحي فقال «حيثما أكون في أقطار السماوات أسمع صلصلة جرس فأسرع إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي»، فقال له صلى الله عليه وسلم «اذهب إلى البيت المعمور واتل نسبي الآن» فذهب سيدنا جبريل مسرعاً إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً «محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب ...الخ» فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أن فتح له قبل ذلك فرأى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بداخله فتعجب فعاد مسرعاً إلى الأرض فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانه كما تركه مع سيدنا جابر رضي الله عنه فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجده صلى الله عليه وسلم هناك ثم عاد مسرعاً إلى الأرض فوجده صلى الله عليه وسلم ما زال جالساً مع سيدنا جابر رضي الله عنه، فسأل جبريل سيدنا جابر رضي الله عنه قائلاً «هل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه هذا؟» فقال سيدنا جابر رضي الله عنه «كلا يا أخا العرب فإننا لم ننته بعد من الحديث الذي تركتنا فيه». فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم «إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تعبي؟» فرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً «للتشريع يا أخي جبريل». وهذا أيضاً يكفي عرضه ونشره لبيان معتقد البرهانية وقيمة كتبهم واستهزائها بالله وآياته ورسوله وملائكته والمؤمنين.. ولذلك لم يتردد السابقون في الحكم على هذه الكتب وعلى هذه الطريقة واتخذت الإجراءات الرسمية لحماية المسلمين من شرها فإن المحافظة على الدين وثوابته والعقيدة الصحيحة هو أوجب وآكد واجبات أولي الأمر من الحكام والعلماء. وفي ختام هذه الحلقات أشير إلى أطروحة دكتوراه مميزة كتميز الباحث الذي قدمها في تخصصه وهي رسالة دكتوراه قدمت في كلية أصول الدين بجامعة أم درمان الإسلامية في العام 2004م بعنوان: الطريقة البرهانية في السودان دراسة وصفية تحليلية للباحث الدكتور أحمد عبد الصمد محمد الأمين، وحصلت الرسالة على تقدير ممتاز وكان مشرفها الدكتور عبد الله إبراهيم الشكري وناقشها الدكتور عبد الله حسن زروق والدكتورة عائشة الغبشاوي، وهي رسالة علمية أتمنى أن ترى النور وتخرج مطبوعة فالباحث د. أحمد عبد الصمد الأستاذ المساعد بجامعة الزعيم الأزهري باحث مميز وقد التقيته بمؤتمر علمي بماليزيا، وأرجو أن مثل هذه الدراسات وما تتوصل إليه من نتائج تجد حظها في النشر العام والخاص لنشر العلم ونوره وطمس الجهل وظلامه..