كتابات الخيال العلمي هل هي نوع من الأدب يعالج التطورات العلمية والاكتشافات والاختراعات التي يمكن أن تحدث في المستقبل القريب أو البعيد.. هل هو الأدب الذي يمزج بين العلم والأدب وبشكل رائع، ويدل على علاقة التأثر والتأثير بين العلم والأدب.. أم هو يدخل في باب كتابات الإثارة كما تفضل أديبنا السوداني إبراهيم إسحاق.. الرغم من أن الأدب العربي القديم لم يخلُ من ملامح الخيال العلمي فيما قدمه من أساطير مثل «رسالة الغفران» للمعري و«المقامات» للحريري وأساطير «ألف ليلة وليلة» التي تتميز بخيالها الفنتازي الجامح وفيها العديد من الأمثلة لأحلام ومخاوف البشر في حكايات الجن والعفاريت، والحصان الطائر والبساط السحري وبلورة الرؤيا، وطاقية الإخفاء ومصباح علاء الدين، وتحويل الإنسان إلى حيوان، وغير ذلك من الخوارق والتحديات التي تندرج تحت لواء الخيال، وإن لم يكن علمياً صرفاً إلا أن الغرب فاقنا في الإنتاج أدب الخيال العلمي إن صح التعبير.. ويذهب أحدهم إلى ما هو أبعد من ذلك بالإشارة إلى تأثير التراث العربي على الغرب في هذا المجال ف «اليوتوبيا» لتوماس مور إنما هي مستوحاة من «المدينة الفاضلة» للفارابي، وفي هذا السياق يمكن اعتبار روبنسون كروزو وطرزان ورحلات جيلفر.. مستوحاة من «رسالة حي بن يقظان» لابن طفيل. ومن جهة يأتي المؤلف الفرنسي جول فيرن في مقدمة كتاب أدب الخيال العلمي، ومن المعروف عنه أن معظم ما تخيله في رواياته قد تحقق لحد مذهل فيما بعد، وتكفي دلالة على ذلك روايته المشهورة «20 ألف فرسخ تحت الماء» التي تدور أحداثها حول غواصة تجول تحت الماء، بالإضافة إلى تفاصيل لشكل الغواصة ومواصفاتها، ووصف للصواريخ بعيدة المدى، والطائرات النفاثة أيضاً، مما يعتبر سابقاً لعصره، فلا وجود للغواصات أو الطائرات النفاثة آنذاك، ولا ننسى روايته «من الأرض إلى القمر» التي وصف فيها الهبوط على القمر والعودة منه، كما حدث بشكل مشابه جدًا مع مركبة أبوللو 11 بعد مرور قرن كامل على ظهور هذه الرواية، وله أيضاً «خمسة أسابيع في منطاد» و«الجزيرة الغامضة» و«حول العالم في ثمانين يوماً». كانت أعماله في مجملها نبوءات علمية تحققت بعد ذلك وهذا لا ينطبق على سواه من الأدباء الذين ظلت أعمالهم إبداعات متميزة من الأدب الخيالي العلمي المحض لكنها لا تتحقق حسب المقاييس العلمية، ويعتبر هربرت جورج ويلز الملقب بشكسبير الخيال العلمي.. من أشهر الكُتاب الإنجليز في هذا المجال ويرى بعض النقاد أنه المؤسس الحقيقي للخيال العلمي الحديث، وأشهر رواياته «آلة الزمن» و«الرجل الخفي» و«حرب العوالم» و«أول أناس على القمر». وهو يقول عن رواياته إنها: تدريبات للخيال، ولا تدعي تناول أشياء يمكن تحقيقها وهذا الاتجاه يقوم على تسخير الأدب والمتعة القصصية والتشويق لخدمة الثقافة العلمية. ٭ تجارب عربية ولعل قصور التجارب الأدبية العربية المعاصرة في مجال أدب الخيال العلمي يعود في الأساس إلى قصور العناية بالعلوم التقنية في العالم العربي مقارنة بما هو عليه الحال في الغرب، مما أوجد هذه الفجوة، بل الهوة السحيقة بين الواقع العلمي في الجانبين، فهل يأتي اليوم الذي تتلاشى فيه هذه الفجوة، وتردم فيه هذه الهوة السحيقة، وفي الفصل الأخير من كتاب محمود قاسم «الخيال العلمي أدب القرن العشرين»، الذي كتب عن مراحل تطور الخيال العلمي، وتناول الأقسام الفرعية لأدب الخيال العلمي، مثل الفانتازيا العلمية، والظواهر العلمية الخفية، ختم «محمود قاسم» كتابه بفصل عن أدب الخيال العلمي عن الأدباء العرب الذين تناولوا الخيال العلمي في أعمالهم الأدبية، الدكتور «مصطفى محمود» «رؤوف وصفي» «يوسف السباعي» «فتحي غنيم» «توفيق الحكيم».. وغيرهم، وفصل أخير عن السينما وعلاقتها بالخيال العلمي. وأيضاً في عالمنا العربي المعاصر نجد أن من رواد هذا اللون من الأدب الكاتب المصري نهاد شريف وأشهر أعماله: «قاهر الزمن» و«سكان العالم الثاني» والكاتب السوري طالب عمران في روايتيه «إكسير الحياة» و«مدينة خارج الزمن» والكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود في روايته «العنكبوت» والكاتب المغربي أحمد عبدالسلام البقالي في روايته «الطوفان الأزرق». في السودان: نحن في السودان نفتقد لهذا اللون الأدبي طرحنا تساؤلنا لأديبنا إبراهيم إسحق الذي أجابنا أن رأيه الخاص في هذا يرده إلى أن لدينا عقائد فيها صلابة وتلك الصلابة تجعلنا نبتعد عن هذه الأشياء ولا نحاول اختراقها وأن البلاد التي فيها خيال علمي اتسمت بالتكنلوجيا؛ تكنلوجيا الميكانيكا البيولوجية.. ووصلت إلى مراحل متقدمة ويعتقد أن الروس تبحروا في هذا المجال وهذه العلوم واخترقوا الفضاء والقمر لذلك برز كتاب لديهم في هذا المجال. ويضيف أن الشخص الوحيد لدينا الذي حاول اختراق هذا المجال هو جمال عبد الملك بن خلدون كان محرراً في دار النشر جامعة الخرطوم عندما كان رئيسها علي المك. وقد كتب عبد الملك عدداً من القصص القصيرة اعتمد فيها على الخيال العلمي، ويختم أديبنا أن كتابات الخيال العلمي تدخل في كتابات الإثارة بأشكالها المتعددة ولا يظن أن لديها قيمة أدبية لأنها لا تتناول الطبيعة البشرية وأن القصص الطويلة والقصيرة والأدب الحقيقي هو الذي يكتب عن الطبيعة البشرية والفضائل البشرية، أما القصة الخيالية أو البوليسية أو العلمية لا تهتم بالتركيز على هذه الجوانب وهدفها الإثارة أكثر.