لا يعلم على وجه التحديد ما اذا كانت المعلومات التي كشفها الجنرال الاسرائيلي عاموس الجمعة الماضية واشارت الى اختراق جهازه البلاد ترمي بثقلها على جزء من المشهد السياسي في اديس، مثلما لا يعلم على وجه التحديد ايضاً ما اذا كان لقاء عرمان ناشطين إسرائيليين يمثل جزءاً من ذلك الاختراق الذي تحدث عنه عاموس احد ابرز قيادات الاستخبارات الاسرائيلية، الا ان ما يمكن قوله الآن هو حدة الاستنكار الكبير الذي ابدته قوى سياسية في الداخل والخارج لذلك اللقاء. فقد كشف مدير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيليّ، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة السابق في الجيش الإسرئيلي الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين، النقاب عن اختراق الجهاز الذي كان يترأسه لعدد من الدول العربية من بينها السودان. قال يدلين خلال محاضرة ألقاها الجمعة الماضية امام مؤتمر قيادات الحركة الكيبوتسية «القرى والبلدات التعاونيّة» «إنّ شعبة الاستخبارات العسكريّة تمكّنت من نشر شبكات جمع معلومات في تونس قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه البلاد، بالإضافة إلى ليبيا والمغرب». ولم يكشف يدلين طبيعة تلك الاختراقات تحديداً، الا انه اشار الى ان السودان من بين تلك الدول. وكان جنرال اسرائيلي متقاعد يدعى باتريك قد التقى في الأيام الفائتة وفد قطاع الشمال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مخلفاً اجواءً سادها عدم القبول بالخطوة في الأوساط السياسية الرسمية في الخرطوم. وحسب مراقبين فإن بحث الجانبين آخر تطورات المفاوضات الجارية مع حكومة الخرطوم يعتبر اختراقاً سياسياً بايناً داخل قطاع الشمال، الأمر الذي يشير الى سيطرة اطروحات واجندة خارجية على عقلية وفده المفاوض، مما دعا رئيس الوفد الحكومي إلى القول ان قوى خفية وراء قطاع الشمال، وهنا ربما أبعد ذلك الموقف تبني القطاع رؤى وطنية تصب في صالح اهالي المنطقتين، وربما جرفته ايضا الى ترجيح خيار الحرب واستمرار العمليات هناك، بهدف انهاك الخرطوم واستنزاف ما هو متاح من مواردها الضعيفة اصلاً. ورغم أن التفاصيل اشارت الى ان الأمر يتعلق بمساعدات انسانية، الا انه لا يعلم على وجه التحديد ما اذا كان مهمة الجنرال المتقاعد الذي ترأس الوفد الاسرائيلي تتعلق بمساعدات إنسانية ام عسكرية، الا ان واقع الحال يرجح بحث أمر توصيل معدات عسكرية الى قوات الجبهة الثورية في الميدان. وسبق ان تناولت أنباء ترددت بقوة في عاصمة جارة للسودان عن زيارة «عقار» و «عرمان» إسرائيل في طريق عودتهما من واشنطن إلى تلك العاصمة، حيث اختفى «عقار» و «عرمان» بعد وصولهما «قبرص» لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتوجها إلى العاصمة الإثيوبية. وأضافت المصادر بقولها: لقد زارا «تل أبيب» للترتيب لتصعيد الحملات العسكرية والدبلوماسية ضد الحكومة في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق بالتزامن مع اتصالات يجريها «الحلو» في أمريكا مع مجموعات الضغط الداعمة للحرب في جبال النوبة. وسبق ان زار وفد من قطاع الشمال بالحركة الشعبية تل أبيب برئاسة عرمان وعضوية كل من عمر عبد الرحمن آدم ومبارك أحمد ورمضان حسن نمر، التقى خلالها رئيس لجنة الأمن والعلاقات الخارجية بالكنيست، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان. وأجملت مهام الزيارة حينها في طلب القطاع دعماً عسكرياً عاجلاً. وكانت مصادر قيادية بالحركة الشعبية «فضلت عدم الكشف عن هويتها» قد كشفت للمركز السوداني للخدمات الصحفية، عن لقاء مهم عقده الوفد مع وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك طالباً منه مساعدات عاجلة لقطاع الشمال، وحضر اللقاء من الجانب الإسرائيلي رئيس المخابرات العسكرية الميجور جنرال أفيج كوخافي، وودع الوفد في مطار بن جوريون في ختام المباحثات. وقالت المصادر إن أهم المطالب التي دفع بها قطاع الشمال عبر رئيس الوفد تتمثل في تحجيم المد الإسلامي في السودان باعتباره يشكل خطراً على دولة إسرائيل نفسها، الأمر الذي أقره وزير الخارجية الإسرائيلي، حسب المصادر. وقدم عرمان شرحاً عن الأوضاع في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وأكدت المصادر أن وزير الدفاع الإسرائيلي استحسن خطوة قطاع الشمال بزيارته إسرائيل. وكشفت مصادر إعلامية في وقت سابق عن أن الحديث يدور حول مليارات إسرائيلية سلمت الى قادة الجبهة الثورية لتمكينها من حكم السودان وإقامة مشروع السودان الجديد. وأشار ت المصادر إلى أن من بين الأموال السرية ثلاثة عشر مليار دولار صُرفت لشراء أسلحة لجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. وفي الوقت الذي حسب فيه مراقبون الخطوة بالتدخل السافر من قبل إسرائيل في الشؤون الداخلية للبلاد، انتقد محللون دوليون سياسات إسرائيل في المنطقة ووصفوها بالمتهورة. وكانت مرجعية عسكرية وأمنية إسرائيلية بارزة قد حذرت الاسبوع الماضي من انهيار المشروع الصهيوني بِفعل السياسات التي تتبعها إسرائيل. وقال الرئيس الأسبق لجهاز «الموساد» شفطاي شافيت، إن إسرائيل تواجه التحديات الاستراتيجية بعمى وبجمود فكري وسياسي، بشكل لا يدفع إلى الاطمئنان إلى مصير المشروع الصهيوني برمته. وفي مقال نشره مساء الإثنين موقع صحيفة «هآرتس» قال شافيت الذي يعد من أشهر رؤساء «الموساد» إن ما يفاقم الشعور بالقلق لديه حقيقة أن التيار الديني الصهيوني بات يهيمن على الكثير من دوائر صنع القرار، محذراً من أن سلوك هذا التيار سيفضي إلى توحيد العالم الإسلامي ضد إسرائيل.