سيدي الرئيس.. ماذا بقي من برنامج الإنقاذ بعد أن قمتم بتعيين الميرغني والمهدي في سدة الرئاسة؟. أما الإنقاذ فقد تودع منها.. وأما البرنامج فقد تنكر له أهله وأصحابه ودخلوا في زمرة المتاجرين بالأفكار والقيم.. وأما ربع قرن من عمر السودان فقد ضاع هباءً منثوراً.. إن عمر النبوة لم يزد على 2418 يومًا.. وزاد عمر الإنقاذ على عمر النبوة فقد بلغ 9818 يوماً بالتمام والكمال.. وكان الفرق بين العمرين كالفرق بين العجز والإعجاز.. لو أن الإنقاذ ترسمت خطى المعصوم صلى الله عليه وسلم ونهجت نهجه.. وسارت على دربه لما احتاجت أن تتعلق بأستار البيتين ولا أن تفزع إلى حسب زائف ونسب مفترى. كان يكفيها أن تتعلق بأستار الكعبة إذا ساءت وأن تفزع إلى الله.. لقد انقلبت الإنقاذ يوم تسلمت السلطة على حكم الطائفية وعلى الدغمسة وعلى استرقاق البشر.. وانتصرت للمستضعفين وسعت إلى تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. ولكن الإنقاذ اليوم عادت كالتي «تنقض غزلها من بعد قوة انكاثا» الإنقاذ عادت اليوم وسلمت مقاليد السلطة للذين انقلبت عليهم وأوهمت الخلق جميعاً بأنها خلصت السودان من شرورهم وآثامهم وسوّقت البرنامج.. وروّجت المشروع.. وبذلت الوعود.. ومنّت الناس الأماني.. وظل الناس ينتطرون.. وينتطرون.. وينتطرون.. ويمر العام تلو العام.. ويمر التشكيل تلو التشكيل.. وتمر المرحلة تلو المرحلة.. و.. وتقع الإنقاذ وتقوم.. ثم تقوم.. وتقع وهي تزداد كل يوم وهناً على وهن.. وضعفاً على ضعف.. وعمى على عمى.. حتى ختمت عمرها المديد.. الخالي من الإعجاز والإنجاز.. إلا في مجال التسابق إلى المناصب والمراتب.. الا في مجال الدغمسة.. ورعاية الفساد.. حتى أصبح أصدق ما ينطبق على الإنقاذ قول الشاعر: لي كل يوم من ثعالة ... ضغثاً يزيد على إبالة وثعالة هو الثعلب.. وفي رواية «من ذؤالة» وذؤالة هو الذئب والإنقاذ اليوم لا تكتفي بواحد من هذين الأخسرين بل تجمع بينهما. لقد كنا نظن ونطمع أن درس نيفاشا سيكون درساً نافعًا ومفيدًا للإنقاذ.. وكنا نطمع أن تستقيم الإنقاذ وتؤسس علاقاتها مع الناس والخلق كلهم على هدى وبصيرة.. ولكن الإنقاذ ظلت تتعامى حتى عميت وتتهاون حتى هانت وتتماوت حتى ماتت.. لقد كنا ننصح الإنقاذ ولا نألو ونجهد أنفسنا ولا نشكو ورغم شدتنا في النصيحة.. وقسوتنا في بعض الأحيان.. فقد كنا نعتذر عن كل ذلك بأنا ننتسب إلى الإنقاذ.. وأننا نبني مجدها ونقوِّم من ميلها.. ونصلح من سيرتها.. أما اليوم فنحن نرى الإنقاذ تطعمنا الحسك والحصرم والعلقم وتقلب لنا ظهر المجن.. بل وتقلب ظهر المجن لمشروعها ولمبرِّر وجودها ولحجتها أمام الله يوم يقوم الأشهاد.. لما جاءت الإنقاذ بانقلاب عسكري لم نجد حجة ندافع بها عن الإنقاذ أفضل من فقه الإمام أحمد بن حنبل في امارة المتغلب الذي يستولي على السلطة بالقوة ولكنه يقيم الدين ويحفظ الثغور ويعدل في الأحكام ويفعل ذلك على الأصل الشرعي كتاباً وسنة.. يقول الإمام أحمد «لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إلا أن يراه أميراً عليه» وهو فقه علمي.. وهو الحجة التي قامت بها الإنقاذ.. ولكن عجبًا للإنقاذ.. فبعد ربع قرن من الزمان تسلِّم الإنقاذ السلطة لذات «الأوغاد» الذين انقلبت عليهم واستعانت بالفقه لتبرير انقلابها عليهم!! فبأي مسوغ.. وبأي حجة وبأي وجه .. تخرج الإنقاذ على الناس.. في السودان وفي خارج السودان؟!.. الربيع العربي الذي يأخذ بتلابيب العالم العربي والعالم الإسلامي.. ما هو إلا انقلاب على حكم البيوت وحكم الطائفة وخلافة الأنجال السفهاء.. إن الإنقاذ اليوم تهزأ بالربيع العربي الذي يحيطها من جميع الجهات.. وتسخر منه.. وتستفزه.. وتستعديه عليها الربيع العربي قام ونشب وأورق وأزهر وأثمر.. والربيع العربي قام وثار في وجه الملك العضوض .. قام ضد ولاية العهد.. والوراثة.. ومؤهلات الحسب والنسب والإنقاذ اليوم تدعو إلى تكريم زعامة العاطلين عن المواهب وعن المزايا والخصائص.. ويبدو أن طرفة الصحفي حسين خوجلي التي أوردها في مرحلة سابقة للإنقاذ والتي مفادها: «أن رجلاً غاب عن الوعي أو عن الدنيا مئات السنين.. أو ربما نام نومة أهل الكهف.. ولما استيقظ سأل عن الأحوال فعلم أن المهدي هو رئيس الحكومة وأن الميرغني هو زعيم المعارضة!! والإنقاذ اليوم تتفوق على حسين خوجلي فتقدّم لنا على طبق من حكومة السيدين!! إن سجل الحسب والنسب في تاريخ الإنسانية كلها لا يقدم لقيادة الأمم والشعوب إلا الشر والفساد والجهالة والنزق والجشع والمكر واللؤم والمين والكذب. إلا الحسب والنسب المرتبط بالعقيدة والشريعة.. والقيم ولي من صفة الحسيب النسيب أبيات من الشعر استقيتها من الواقع ولكنها صالحة فيما أظن لكل العصور وكل الأمكنة لأن السمات واحدة والأساليب واحدة والغايات واحدة وعنوان هذا المقال هو آخر بيت في المقطوعة: حرباء السياسة لو قيل للحرباء دونك قلِّدي هذا الحسيب وهات من ألوانه قالت إذن وتبرأت من حولها كيف السبيل ولست من أقرانه إني ليملأني الفخار لو أنه قد عدني في السقط من أعوانه الخلف طي ردائه والمكر تحت لوائي والمين فوق لسانه شيخ إذا أوفى بوعد غره شق الجيوب وعض غيظ بنانه ويرى لجهل قد أصم فؤاده أن الذكاء خداع أهل زمانه أبدًا يُرى في بردتيه معطراً لكن يفوح اللؤم من أردانه ما همه يومًا وأرق جفنه إلا الخسيس الغث من أشجانه يأسى إذا أنّت لديه هريرة ويظل يسخر من أسى إنسانه فإذا دعاه إلى الحنيفة ذو تقى ركب الغرور ولجّ في عصيانه يدعو لإعلان سريع ناجز ويروغ قبل الفجر من إعلانه أما البيان فناعم ومنمق لكن فعل الشيخ غير بيانه تجبى الثمار إليه من أركانها بالدين وهو يعيث في أركانه لو كان فيه الظمئ من أسلافه شد الزناد وزاد في بنيانه لكن فيه من التنعم والرفاهة ما طي وطغى على وجدانه فغدا بذات الطين فيه موكلا وغدا أسير الغي من شيطانه إن كان هذا من تقلَّد أمرنا