توافق تام ما بين قيادات المؤتمر الوطني يقابله رفض تام من قبل المعارضة الإسلامية، هذا ما أكده الأستاذ علي عثمان محمد طه القيادي بالمؤتمر الوطني وعضو اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية بأن هنالك توافقاً تاماً داخل الحزب والقيادات الغالبة في الرأي العام حول ضرورة إجراء التعديلات الدستورية التي تشمل مسألة تعيين الولاة بالولايات، وأكد عضو اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية علي عثمان أن التعديلات الدستورية ستعكف للنظر في الإضافات الضرورية التي يمكن أن يستكمل بها التعديل المقترح حول الولاة، نافياً أن يكون الاتجاه للتعديلات الدستورية يرجع إلى حدوث أزمة في الحزب، مؤكداً أن اللجنة استمعت إلى مختصين في الحكم اللامركزي في هذا الصدد. اجتماع شامل ما بين الرئيس والولاة تم مطلع الأسبوع السابق، حيث أشارت المعلومات إلى أن الرئيس أكد للولاة بأنه غير ملزم باعتماد نتائج ترشيحات مجالس الشورى التي أجريت في الولايات، محتفظاً بأحقيته في تعيين من يراه مناسباً في الموقع المناسب وفق ما يتناسب مع التعديلات الدستورية. فيدرالية مجردة المحلل السياسي دكتور الطيب زين العابدين علق على مسألة التحول في تعيين الولاة من الهامش للمركز، بأن الرئيس هو الذي يعين الولاة، وهؤلاء الناس جاءوا بانتخابات ولدى غالبيتهم قواعد انتخابية وهم بدورهم لا يرغبون في التعيين بالنظام المركزي. وفي حال ما تم التعيين بقرارات جمهورية فإن الولاة الذين يتم تعيينهم من قبل المركز سيكون تلقائيا ًولاؤهم موجهاً صوب المركز والرئاسة، ووجهة نظر د. الطيب نجدها تشير إلى أن هذه فدرالية بدون حكومة، لأن الرئيس هو من يعين الوزراء والمعتمدين، فبالتالي فإن قيادات الحكومة تابعة للمركز ونابعة منه إضافة إلى تجريد صلاحيات ملكية وتوزيع الأراضي من قبل الولاة، لأن حديث السيد رئيس الجمهورية أكد أن توزيع الأراضي سيكون تحت سيطرة المركز، وسيتم توزيعها وتقسيمها للاستثمار. وفي هذه الحالة ستحدث إشكالات في الإقليم الذى جرد من سيطرة أصحابه وملاكه الأصليين من ناحية السلطة السياسية والعسكرية، والجدير بالذكر أن هذا النهج يتناقض تماماً مع النظام الفيدرالي. دفن الرؤوس الحكم الفيدرالي لا يمكن أن يكون كامل الأركان إلا بالعملية الديمقراطية عبر تعيين الولاة عن طريق الأصوات والممثلين، والمؤتمر رأى أن السياسة القبلية أساءت للعملية السياسية. وللأسف هذا النهج من شأنه أن يعاقب المواطنين عبر حرمانهم من حق اختيار الولاة والممثلين بالأقليم وهذا ما ينطبق عليه المثل «المقتول أبوك والدية عليك»، وهذا النهج من قبل الحزب من شأنه أن يتسبب فى إحداث حرمان من الديمقراطية، وللأسف نحن بانتهاجنا لهذا النظام لن نعالج الداء المتمثل في تفشي القبلية والنزاعات المترتبة عن ذلك. هذا ما أكده المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، مشيراً إلى أن الخريطة السياسية يجب أن تبنى بناءً سليماً على أساس الديمقراطية الحقيقية، وإذا افترضنا أن تطبيق هذه التجربة وتنفيذها واقعياً فى التعيينات القادمة للولاة، لن نستطيع بأي شكل من الأشكال القضاء على العنصرية والقبلية والنزاعات الداخلية، ففي حال تعيين الولاة لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سوف يتسبب ذلك في إحداث مخاطر ومشكلات بصورة مستمرة، ونحن بتلك الخطوة كأنما ندفن رؤوسنا في الرمال بدلاً عن معالجة الأزمة. وذهب آدم خاطر للتأكيد على أن مزاعم علي عثمان بأن هذه الخطوة أتت مدروسة من قبل مختصين في الحكم اللامركزي حديث عار من الصحة. فعلي عثمان درس الخيار مع مجموعة صغيرة من الحزب نفسه. كما أشار خاطر إلى أن الولاة المبعدين عن ولاياتهم سيكونون مستقبلاً ضد الحزب الحاكم من ناحية الولاء السياسي. الرجوع إلى الديكتاتورية اتفق مع الرؤية التحليلية السابقة المحلل السياسي د. عبد اللطيف محمد سعيد مؤكداً أن الخطوة غير موفقة لأننا نرجع بها من الديمقراطية إلى الديكتاتورية، وبالتالي التعيينات ستتقلص داخل الحزب الحاكم فقط، وفي السابق كان باستطاعة الأحزاب تقديم مرشحين لخوض الانتخابات والمنافسة في منصب الوالي، وهذه الخطوة أغلقت الباب تماماً في وجه الأحزاب الأخرى. واستعرض محدثي تجربة الرئيس الفرنسي ديغول الذي عين رئيساً للدولة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ورغم ذلك استقال من منصبه بعد أن سقط حزبه في الدوائر المحلية. وهذه السياسة أثبتت فشلها عالمياً ولن تسهم في تقليص القبلية ومن شأنها أن تأتي بردود فعل عنيفة وإشكالات مختلفة.