بالرغم من أن العهد المايوي خاصة في فترة ما بعد منتصف السبعينيات لم يكن مرضياً عنه جماهيرياً، ومع ذلك فإن النكتة السياسية الساخرة التي تنتقد النظام وتسخر من رموزه، لم تكن متداولة كثيراً، بينما لم تبرز في النظم الديمقراطية السابقة في السودان. حيث أن الكبت وضيق مواعين الحرية يجعل للنكات السياسية تربة خصبة لنموها، إذ أن النكتة السياسية في حقيقتها تعبر عن أحاديث الظل في المدينة، وهي أحاديث عادة يستحيل التحكم فيها بأية وسيلة سوى دحضها بالعمل المضاد الذي يقنع العقل الجمعي الذي يتقبل تلك النكتة. ويقال إن الرئيس السابق جعفر نميري كان يهتم بها ويستمع لها ويقرأها عبر تقارير الرأي العام السرية التي تقدم له يومياً وتحوي عادة النكات والشائعات المتعددة. وفي عهد الإنقاذ أيضاً تداولت العديد من القطاعات الاجتماعية النكات السياسية عبر طرق مختلفة شملت التداول الشفاهي والرسائل النصية بالهاتف الجوال والشبكة الإلكترونية «النت» وأخيراً الواتساب بكثافة. ومن النكات الطريفة المتداولة في عهد الإنقاذ«يقال إن المعارضة ذهبت إلى فكي حتى تدرك كم ستبقى الإنقاذ في الحكم، وعندما قرأ الفكي الطلاسم كتب لهم في الأرض الرقم «16» ففرحت المعارضة، غير أن الفكي فاجأهم وقال «أنتم قريتوها بالقلبة والصحيح هي «61» سنة». ونكتة أخرى على ذات المنوال راجت أخيراً، وهي نكات رغم سخريتها ودلالتها لكنها في ذات الوقت تسعد الإنقاذيين باعتبار أن عرشهم لا يمكن أن يهتز بسهولة، لكن الثابت أن النكات السياسية تزدهر عادة في ظل الأنظمة القابضة، لكن هل تطلق الأجهزة الأمنية في بعض الدول المستبدة نكاتاً بدافع التفريغ السياسي خوفاً من الانفجار الشعبي؟ وهو ما ذهب إليه الكاتب المهاجر هاشم كرار في إحدي مقالته في وقت سابق عندما قال عن النكتة السياسية «إنها ضرب من ضروب التفريغ، لذلك ليس غريباً على الإطلاق أن نرى الأجهزة المعنية بأمن أنظمة الكبت، تطلق هي ذاتها، نكات سياسية تسخر من النظام نفسه، ومن رموزه، متى ما أحست هذه الأجهزة، أن الشعب على وشك الانفجار. التفريغ هنا حيلة ماكرة، ولئيمة، تضاف إلى الحيل الماكرة واللئيمة للأنظمة التي تغفل أفواه الناس بالضبة والمفتاح». ربما ما ذهب إليه الأستاذ هاشم يحدث أحياناً، لكن المعروف أن الأنظمة القمعية في العالم الثالث تخاف حتى من النكات وتصنفها من ضمن المهددات الأمنية والتحديات الصعبة لها، ولعل أكثر الشعوب التي تعاملت مع النكتة السياسية بكثافة وذكاء هم المصريون على مر التاريخ السياسي، وخاصة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يهتم بها، لكنه كان ينزعج منها بيد أنها تصاعدت بكثافة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك خاصة إبان الانتفاضة الشعبية. وتقول إحدى النكات تعبيراً عن مكوث النظام طويلاً على أنفاس شعبه «بيقولك واحد لقى الفانوس السحري.. طلع له العفريت وقاله: شبيك لبيك تطلب إيه؟ قاله الراجل: أنا عايز كوبري بين القاهرة وأسوان. العفريت قاله: دي صعبة قوي.. نقي حاجة تانية. الراجل قاله: خلاص خلي حسني مبارك يسيب الحكم. العفريت قاله: إنت عايز الكوبري رايح جاي؟ ولا رايح بس؟» وفي ميدان التحرير بمصر الذي شهد التظاهرات والاعتصامات، حمل المتظاهرون العديد من الشعارات الطريفة منها «رابطة نجاري مصر يسألون الأسطى مبارك: «ما نوع الغراء الذي تستخدمه؟» ارحل.. الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك. ارحل عاوز أتجوز. ارحل مراتي وحشتني.. متزوج من «20» يوم. ده لو كان عفريت كان طلع. ويقول الأكاديمي حمدي الجابري لعربية نت«أن النكتة السياسية» قد تسقط أنظمة، وترفع أخرى، فهناك وحسب قراءتي للانتخابات مرشحون تضرروا كثيراً بسبب النكات التي خرجت عليهم.» لكن من الصعب إثبات أن النكتة السياسية هي سبب رئيس لهز العروش الحاكمة، لكنها وسيلة تؤثر في العقل الجمعي وتسهم في تحريكه نحو الثورة حينما تتوافر العوامل الموضوعية للثورة. أخيراً، تظل النكتة السياسية هي المطرقة الناعمة التي تضرب بتأثير وكأنها تغطي مطرقتها بورقة كبيرة من السلوفان، ومع ذلك تظل الأكثر متعة وتنفيساً للشعوب والأكثر قلقاً لأنظمة الإستبداد.