يواجه المزارعون هذه الايام محنة من نوع آخر تضاف الى قائمة المحن التي يشهدها القطاع الزراعي بالبلاد جراء تدني اسعار المحاصيل التي لم تعد مشجعة لمواصلة المزارعين جهودهم الحثيثة في تغطية عجز الانتاج لسد الحاجة الكلية في السوق، حيث لم تعد الاسعار التي يستقبل بها السوق بواكير الانتاج جاذبة اكثر من كونها طاردة ومخيبة للآمال بل ومخيفة لارتباطها بالديون والاجراءات البنكية الصارمة وغيرها من الطرق الاخرى التي تدفعهم بقوة للبحث عن حلول لسداد مطلوبات الزراعة والحصاد والرسوم الحكومية. وعلى الجانب الآخر تعلن الدولة تخوفها من تراجع العملية الانتاجية بسبب تلك المخاوف المستمرة التي تفرزها القراءات الحالية لاسواق المحاصيل التي تشهد تذبذباً واضحاً هذا الايام ما دفع المزارعين لاطلاق نداء استغاثة خوفاً من اراقة كدهم وتعبهم في بيداء التلاعب بالاسعار هبوطاً وصعوداً، وكانت رئاسة الجمهورية قد وجهت بالاستمرار في السياسات التي اعلنتها الدولة بشراء المحاصيل حال تدني اسعارها وشراء المخزون الاستراتيجي من الذرة مباشرة من المزارعين ، و اشار وزير الزراعة في تصريحات سابقة الى حرص الحكومة على متابعة سير العمل فيما يتعلق بالتحضير للمواسم الزراعي والحصاد، واكد ان العمل يسير بصور طيبة في كافة المشاريع الزراعية بالبلاد مشيراً الى ان اللقاء بحث الاستعداد المبكر للمواسم القادمة. ولا يخفى على الكثيرين التدني في السعر الذي وجده السمسم، حيث لم يتوقع ان يستقر سعر القنطار في «460» جنيهاً مع بداية فتح السوق قبل ان يصل الى «650 » جنيهاً وينخفض مرة اخرى الى «450» جنيهاً بحسب افادات الكثير من المزارعين في اكثر المناطق انتاجاً له. ويصل التدني الذي يصفه المزارعون في ولايات النيل الابيض ، سنار والنيل الازرق بالعملية المؤلمة الى محصول الذرة الذي تراوح سعره من «410» جنيهات الى «430» جنيهاً للاردب في مدينة ربك و «390» جنيهاً الى «410» جنيهات في سنار والنيل الازرق خلال اليومين الماضيين ، حيث اكدوا في افادتهم للصحيفة ان الحكومة تعلم جيداً ان السعر الحالي للذرة اقل من تكلفة الانتاج مقارنة باسعاره قبل الحصاد الذي وصل فيه سعر الجوال الى اكثر من «300» جنيه وسعر الاردب من «600» الى «650» جنيهاً مشيرين الى ان المزارع في تلك المناطق سيلحق بنظيره في «مشروع الجزيرة» حال عدم تدخل الدولة بشكل ايجابي لرفع سعر الشراء الذي لا يسير بشكل متواز مع سعر الانتاج. ويوضح المزارع بخيت قمر الدولة، ان تكلفة انتاج الذرة للجوال الواحد ربما تتجاوز ال«180» جنيهاً ، مشيراً الى ان عملية » القطع والدق » وحدها تصل الى اكثر من «75 » جنيهاً للجوال ، اضافة الى سعر «الخيش» الذي يتراوح بين «12» الى «15» جنيهاً والترحيل الذي يصل الى «30» جنيهاً اضافة الى الرسوم المحلية لبعض الاجهزة الحكومية والرقابية التي تصل الى «20» جنيهاً تضاف الى تكلفة الجوال فضلاً عن زكاة المحصول ، موضحاً ان انتاجية الفدان هذا العام تراوحت ما بين جوالين الى اربع جوالات ، وكشف عن وجود حالات اعسار وسط البعض بسبب تدني اسعار الذرة والدخن والسمسم ، داعياً الحكومة الى التدخل الفوري لالغاء اية رسوم تفرض على المزارعين بطرق مباشرة او غير مباشرة ورفع مستوى الاسعار والحد من تدهورها بالشراء المباشر من المزارعين للمخزون الاستراتيجي او الصادر. ويقف محصول الدخن هو الاخر مشدوداً بحبل المخاوف التي قد تجرف مزارعوه الى السجن او تقذف بهم بعيداً عن سوق الانتاج حينما يصل سعر القطع الى اكثر من «70» جنيهاً للجوال الواحد حيث ينخفض السعر الكلي للاردب من «1200» جنيه ليتراوح ما بين «550» الى «650» جنيهاً مع بداية موسم الحصاد. وتتصدر الزيادة التي طرأت حديثاً على اسعار المحروقات قائمة الاسباب التي ترفع تكلفة الانتاج الزراعي اضافة الى التصريحات غير المنضبطة التي يطلقها بعض المسؤولين للتبشير بالانتاج والوفرة وغيرها من الاهداف والمآرب الاخرى، التي يرى كثير من المزارعين انها تضر بهم في عملية التسويق للمحاصيل بحجة انها رسالة سالبة للتجار الذين يتخوفون من عملية الشراء بعد موسم الحصاد بحسب رأي المزارع علي الزبير، الذين يوضح ان مثل هذه التصريحات تؤثر في خفض الانتاج بصورة مباشرة، وقال » بالرغم من اننا نساعد في فتح كثير من بيوت العاملين الا اننا نكافأ بما يشبه محاربة البعض لنا » ، مؤكداً ان هناك اكثر من 200 عامل يعملون معه ايام الحصاد وقبله ، مشيراً الى العوائق التي تواجه عمليات التصدير، متهماً عدة جهات وشركات بالعمل على احتكار المحاصيل امام بصر وسمع المسؤولين، لافتاً النظر الى ان المنافسة بين المزارع وهؤلاء الناس غير متكافئة حسب تعبيره ، قائلاً «إن ما حدث للسمسم يحدث الان للذرة والله في يكون عون المزارع». وما يدور الان في أروقة السوق من مضاربات » مضرة » يدعو الى القول بأن القدرة على كبح جماحها لم تعد متوفرة في الوقت الراهن لتتدخل الحكومة من اوجه مختلفة ، وقبل ان يدفع كثير من المزارعين ثمن انتاجهم حسرة وندامة قد يضطر الامر بعضهم الى بيع مدخراته وممتلكاته وهدم ما بناه في السنين السابقة ليلحق باخوانه المعسرين في الاعوام اللاحقة، ولو يعلم المزارعون ما سيجنون لذروه في سنبله إلا قليلاً مما يأكلون.