حسب ما ذكره د. صابر محمد الحسن، رئيس ملف التفاوض الاقتصادي الحكومي مع دولة جنوب السودان، حول المفاوضات التي جرت خلال الأيام الفائتة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برعاية الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي رئيس اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى، فإن أي تفاوض قادم مع دولة الجنوب وفي ظل آلية التفاوض الحالية، يحتاج إلى نهج جديد في التعامل مع القضايا العالقة بين الدولتين، فأسلوب وطريقة التفاوض والتزيُّد السياسي والمراوغة من وفد حكومة الجنوب لن يقود إلى حلٍّ على الإطلاق، ولسنا في حاجة للمطاولات والتسويف في قضية أوضح من الشمس في رابعة النهار.. فملف النفط يجب أن لا يخضع لأي مقترحات من هنا وهناك سواء كان لجنة الاتحاد الإفريقي برئاسة أمبيكي، أو جهة غيره، فهو تفاوض بين دولتين يخضع لما تقرره القوانين الدولية والأعراف المتبعة، فالأمر في غاية البساطة، فهناك دولة تريد تصدير نفطها عبر أنابيب ومنشآت دولة أخرى، وهذه الأخرى، لا تريد إلا المعايير الدولية وما يجري من إجراءات في كل الدنيا، من رسوم عبور ورسوم سيادية ورسوم أخرى مقابل عمليات الضخ والتصدير في الميناء وللدولة التي يعبر خلالها بترول الدولة المنتجة، الحق في الحصول على كامل حقوقها في هذه الرسوم، وهناك أسعار متعارف عليها دولياً، فهل هذا الأمر يحتاج إلى كل هذه التعقيدات التي تضعها الوساطة، أو التلكؤ والتباطؤ و«الاستهبال» الذي تمارسه حكومة الجنوب ووفدها المفاوض الذي هو أبعد ما يكون عن الرغبة في توقيع اتفاق.. تحاول حكومة الجنوب، ترك الأمور كما هي، لتأكل الدجاجة وتخم بيضها، دون أن تدفع ما عليها من التزامات وقد بلغ دينها منذ يوليو الماضي «900 مليون» دولار.. وتجد مع كل ذلك من يتساهل معها في الوساطة الإفريقية بطرح قضايا ومنهجية في التفاوض لا سابق لها ولا وجود لمثيلها في العالم حيال هذه القضايا.... حكومة دولة الجنوب، استمرأت الطريقة غير المجدية التي تتبعها حكومتنا وهي الإذعان والنزول عند رغبة وإلحاح الوسطاء، فتقبل المقترح تلو الآخر، وتلين وتتنازل بينما الطرف الآخر يصرُّ على موقفه ويتعنّت ويلعب على حبال الوقت، ليكسب نقاط الزمن ويضمن مصالحه، بينما مصالحنا نحن تضيع.. هذا النهج غير مفيد تماماً، ونحن كلنا قد علمنا رد فعل حكومة الجنوب وحلفائها، عندما قررت الحكومة قبل أيام وقف تصدير نفط الجنوب.. قامت الدنيا ولم تقعد وكادت حكومة الجنوب أو تكاد الآن تذعن لما نريده نحن.. فعلينا اتخاذ الموقف والقرار الصحيح دون مجاملة، وعدم إعطاء الفرص لعدو متربِّص لا يرتجى منه، فلا مهلة ولا إجراءات مؤقتة لمدة شهرين كما جاء في المقترح الإفريقي ولا تنازل عن «سنت» واحد يدفع مقابل مرور البترول عبر أراضينا.. لدينا كل كروت اللعبة، فلا خوف أبداً، فإذا كانت الميزانية التي اعتمدها مجلس الوزراء الخميس الماضي قد طمأنت الشعب السوداني، وأن الدولة على ما يرام رغم الانفصال، فما الذي يجعلنا نتراخى ونتهاون في حسم هذا الملف، وسبق لرئيس الجمهورية أن هدد بوقف تصدير بترول الجنوب، فهل تذهب كلمات الرئيس سدىً أم نُتبع القول الفعل؟، وستعرف يومئذ حكومة الحركة الشعبية من الخاسر ومن المستفيد.. القصة كلها أننا لا نفاوض وفداً من حكومة الجنوب ولا جنوبيين يقدِّرون المصلحة الحقيقية لبلدهم، إنما يتفاوض وفدنا مع مجموعة كبيرة من الخبراء والمستشارين الأمريكيين والأوربيين الذين جاءوا مع وفد حكومة الجنوب وهم أصحاب القرار الحقيقي، يحركون الدُّمَى التي قدموا معها... على الحكومة أن لا تتراجع من مواقفها، وعليها حسم هذه الأمور سواء كان مع لجنة أمبيكي أو دولة الجنوب أو الشركات المنتجة للنفط التي يراد إقحامها في هذا الأمر إقحاماً ويراد توريطها في قضية لا ناقة لها فيها ولا جمل.