بعد خطاب السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن احمد البشير واعلانه الوثبة الشهيرة فى يناير 2014م، ودعوته لحوار شامل لكافة الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة في هذا الحوار من خلال الاتفاق على الثوابت الوطنية للبلاد، حدد فيه القضايا التى سيناقشها الحوار، وقد تباينت واختلفت ردود أفعال الأحزاب والقوى السياسية السودانية من تلك المبادرة ما بين مؤيد ومعارض لها، حيث استبشرت الأوساط السياسية خيراً في بداية الإعلان عن المبادرة، والتفت واجتمعت مختلف الأحزاب في لقاء شهير بقاعة الصداقة بالخرطوم، بحضور الرئيس في محاولة لتقريب وجهات النظر بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبقية الأحزاب والقوى السياسية، وخاصة حزبي الأمة القومي «المعارض» برئاسة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي، بغية الخروج من الأزمات التي تعانيها البلاد من توترات. واصطدمت مبادرة البشير للحوار الوطني بأزمة كادت تعصف بها، وذلك بعد اعتقال أجهزة الأمن والمخابرات السودانية الصادق المهدي لانتقاده قوات الدعم السريع مما أثر في تعطيل مسيرة الحوار الوطني، وأدى إلى تراجع العديد من الأحزاب عن المضي في تلك المبادرة، منها حركة «الإصلاح الآن» بزعامة صلاح الدين العتباني ومجموعة الإصلاحيين المنتمية لتلك الحركة، في حين ظلت بعض الأحزاب المتوافقة مع الحزب الحاكم على نهجها في المضي قدماً في الحوار باعتباره السبيل الوحيد لإنقاذ السودان من التحديات التي تواجهه، خاصة ما يعانيه من أوضاع اقتصادية تفاقمت أخيراً، واستمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على البلاد منذ فترة طويلة. والمتابع لمسيرة الحوار منذ انطلاق صافرته، يجد انه بالرغم من العقبات التى وقفت عائقاً أمام مسيرته، الا ان الارادة السياسية لدى الاحزاب المشاركة فى الحوار جعلت بالامكان تجاوزها، وشكلت هذه الاحزاب آلية «7+7» التى توصلت فى التاسع من اغسطس الماضى الى خريطة طريق فصلت فيها آليات ومؤسسات الحوار الوطنى، وحددت اللجنة عبر خريطة الطريق غايات وأهداف الحوار في التأسيس الدستوري والمجتمعي في إطار توافقي بين السودانيين لإنشاء دولة راشدة ونظام سياسي فاعل، والتعاون بين السودانيين والتوافق على تشريعات دستورية قانونية تكفل الحريات والحقوق والعدالة، بجانب التوافق على التشريعات والإجراءات الضرورية لقيام انتخابات عادلة ونزيهة. والمراقب يجد انه لم تجد دعوة رئيس الجمهورية عمر البشير في يناير من الماضي، التى أعلن عبرها انطلاق الحوار الوطني للقوى السياسية والمعارضة بالداخل والخارج من أجل لملمة الشأن السوداني ووضع قاطرة البلاد في مسارها الصحيح، أي صدى طوال أكثر من «10» أشهر مضت، وقد جرت تحت الجسر مياه كثيرة، وترهن القوى السياسية المعارضة بالداخل النزول إلى مسألة الحوار الوطني بمسوغات محددة ترتكز على تأجيل الانتخابات وتكوين حكومة انتقالية تسهم في تهيئة المناخ السياسي، ويتم إطلاق سراح المعتقلين، ويجمد العمل بالقوانين التى تقيد حرية العمل السياسي وحرية التعبير، إضافة إلى أن يظل الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» حزباً يعمل في أطر مشتركة للأحزاب كافة بعيداً عن السلطة، ويرى كثير من المراقبين أن توالى هذه الأزمة بين الحكومة والقوى السياسية بالداخل وما تبعها من حملات اعتقالات لعدد من رموز القوى السياسية بدءاً بالإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في مايو الماضي وإبراهيم الشيخ رئيس المؤتمر السوداني دفع القوى السياسية بالداخل إلى محاولة إحراج الحكومة وفتح أبواب أخرى لإحداث الضغط الإقليمي والدولى عليها للنزول لرغبات المعارضة. كما يرى عدد من المراقبين أن الخطوة التى اتخذتها المعارضة باعتقالها قادة المعارضة الذين وصلوا الى البلاد بعد توقيعهم اعلان نداء السودان فى اديس أبابا، هى إحدى العقبات التى عصفت بالحوار الى نهاياته. وقد اعتبرت الحكومة هذه الخطوة استهدافاً لأمن وسلامة البلاد. وأعلنت الاستنفار العام من أجل مواجهتها، مبينين أن فشل محادثات السلام الجارية في أديس أبابا بين الحكومة وحركات دارفور «العدل والمساواة وتحرير السودان جناح مني أركو مناوي» وفشل جولة مباحثات الحكومة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وتجدد المعارك فى مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان، أدخل البلاد في نفق مظلم. وبحسب محللين سياسيين فإن استمرار هذا النهج بين القيادات السياسية في الحكومة والمعارضة سيفقد السودان فرص النمو والاستفادة من إمكانياته، كما أنه سوف يؤدى الى فشل الحوار وعدم وصوله الى نتائج ملموسة، مبيين ان هذه التجارب الفاشلة في الحوار تعزز عدم قيام الانتخابات، بيد ان د. الترابى لم يستبعد فى حديث خاص ل صحيفة «المجهر» مشاركة حزبه فى الانتخابات المقبلة حال افضت المشاورات الجارية لاتفاق مع الاحزاب المعارضة والحركات المسلحة، فالسؤال الذى يطرح نفسه ما هى السيناريوهات المتوقعة ما لم يصل الحوار الى نتائج حتى موعد الانتخابات؟ فاذا لم يصل الحوار الى نتيجة سوف يكون السيناريو الاول هو حدوث سخط شعبى كبير، وان هذا السخط سوف يعبر عنه بمظاهرات وانفجارات سوف تسهل الطريق الى انقلاب عسكرى، هذا بحسب المحلل السياسى بروفيسور حسن مكى خلال حديثه ل «الإنتباهة»، مبيناً أن السيناريو الثانى هو وقوع السودان فى الفصل السابع نتيجة للضغوط الامريكية نتيجة لما يحدث فى دارفور ومنطقة ابيي، وهذا يؤدى الى نفس النتيجة.. اما السيناريو الثانى فهو قيام الانتخابات فى ظل صمت داخلى وشبه مقاطعة داخلية، وتصبح البلاد فى خوار سياسى واقتصادى، وهذا يؤدى الى سيناريوهات عقيمة، مشيراً الى انه لن تكون هنالك مشاركة من الأحزاب، وان الحديث عن تعديلات جداول الانتخابات ليس صحيحاً.