مؤشر خطير ربما ينذر بتصاعد الموقف اكثر مما هو عليه الآن، بعد هدوء لأكثر من عامين، إثر تبادل الاتهامات بين دولتي السودان والجنوب، بدعم وايواء متمردي البلدين، فقد عادت اجواء التوتر الامني بينهما من جديد، مما يجعل كثيراً من الاحتمالات التي تدور في اذهان الكثيرين هي اقرب الى واقع الدولتين، وهذا ما جعل الخرطوم تطلق تحذيراتها لجوبا من استمرار تمويل الجماعات المتمردة ضدها، ومنذ الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان قبل نحو ثلاثة أعوام تقريباً، لم تبارح الأوضاع مكانها الذي كانت عليه قبيل الاستفتاء، لجهة أن القضايا العالقة بينهما لم تحسم بعد حتى اللحظة، غير ان جوبا ظلت تنفي مزاعم الخرطوم بوجود حركات التمرد السودانية باراضيها باستمرار. تحدي الدولتين تحذير الحكومة بامكانية دخول اراضي الجنوب لمطاردة المتمردين اعتبرته جوبا بأنه «اعلان حرب» وازاء اطلاق الاتهامات من قبل الخرطوم قامت جوبا برد الصاع صاعين معلنة استعدادها الكامل للحرب بجانب اتهامها للحكومة السودانية بانها ظلت تسعى منذ وقت طويل لإعلان الحرب ضد الجنوب، وبين اطلاق التحذيرات والاتهامات بين جوباوالخرطوم يظهر التحدي بينهما، مما يشير الي امكانية العودة للمربع الاول «الحرب» بسبب القضايا العالقة في ظل تبادل الطرفين الاتهامات من وقت لآخر بشأن دعم وإيواء المتمردين. تعكير العلاقة وكلما اتسعت دائرة الخلافات بين متمردي الدولتين سعت احدهما الى تعكير صفو العلاقة مع الاخرى، وآخرها ما أطلقته الحكومة السودانية بأن دولة جنوب السودان مازالت تقدم الدعم اللوجستي والمادي للحركات المتمردة، مما يتنافى مع الروح المطلوبة للعلاقات، ولم تكتف الخرطوم بذات القدر بل دللته بامتلاكها كل المعلومات الموثقة لهذه الخروقات، ورغم كل ذلك ظلت الدولتان تؤكدان الاحترام المتبادل وفقاً لسيادة الدول، وبالفعل ظل السودان من طرفه يؤكد حرصه على استمرار العلاقة مع الجنوب، سيما أن هناك اتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين طالب بتنفيذها على الوجه الأكمل، فضلاً عن إكمال بنود الترتيبات الأمنية التي أكد أنها تساعد الطرفين على تحقيق السلام والاستقرار وبناء الثقة وتحديد الخط الصفري والمنطقة منزوعة السلاح. اجتماع طارئ هناك جهود حثيثة على مستوى الآلية الإفريقية لمساعدة السودان وجنوب السودان لحل القضايا العالقة بينهما، وما ان برزت الاتهامات بين الدولتين واوضحت ما تسفر عنه هذه الاتهامات، بادرت اللجنة السياسية والأمنية بعقد اجتماع طارئ لاحتواء اي نشوب ازمة بينهما، ونجحت الآلية في الاتصال باللجنة الأمنية السياسية المشتركة بالبلدين، وتم الاتفاق على ضرورة عقد اجتماع طارئ للجنة المشتركة على مستوى وزيري الدفاع من الدولتين، لبحث القضايا الأمنية والسياسية المشتركة في أقرب وقت، ولم تكن هي المرة الاولى التي تعقد فيها اللجنة السياسية الأمنية اجتماعها من اجل الوقوف على القضايا العالقة بين جوباوالخرطوم، ولكن ما الذي تخرج به اللجنة من اجتماعها الطارئ؟ تصاعد التوترات منذ انهيار المحادثات التي رعاها الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية في التاسع من ديسمبر الماضي، تصاعدت التوترات من جديد بين الدولتين. تنفيذ الاتفاقيات تظل العقبة الكؤود بين الدولتين القضايا العالقة التي ام تحسم بعد، ويرى بعض المراقبين المهتمين بالشأن أنه لا بد من تنفيذ كامل الاتفاقيات التي تم توقيعها، ومن بينها اتفاق الحريات الأربع المبدئي المتمثل في حرية «التنقل والإقامة والعمل والتملك»، والاتفاقيات الأخرى التي تم توقيعها في العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» التي عرفت باتفاق التعاون المشترك، فضلاً عن اتفاقيتي ترسيم الحدود وأوضاع مواطني البلدين وترسيم الحدود على الأرض، وذلك لاعتبار أن الحدود الدولية الجديدة تتعرض إلى العنف المحتمل، شأنها شأن غيرها، غير أن الحكومة السودانية بدورها أكدت أن تحديد الخط الصفري مهم وأساسي للأمن على الحدود وتبادل المنافع من «تجارة ونفط وحركة الرعاة عبر الحدود». ويضيف مراقبون أن مستقبل العلاقة بين البلدين في الواقع بحاجة إلى استكشاف الفرص والابتعاد عن المخاوف، الأمر الذي جعل البعض يطالب بوضع رؤية مبنية على أساس الاقتصاد السياسي على المدى البعيد بخصوص تقييم وخدمة المصالح الاقتصادية والسياسية في ما يتعلق بحسن الجوار من خلال تقييم استراتيجي عميق، وضرورة إعادة النظرة لدولة الجنوب بنظرة أكثر واقعية، والعمل بالمنهج الاقتصادي الذي يجعل دولة الجنوب ذات روابط اقتصادية قوية بالسودان. تدخل دولي منذ انفصال الجنوب في عام 2011م ظلت المطالبة بفك الارتباط بين الفرقتين «التاسعة والعاشرة» واحدة من القضايا العالقة بين الدولتين، وظلت جوبا تؤكد انها فكت ارتباطها بالفرقتين وليست لديها علاقة بهما، وقال رئيس لجنة الأمن والدفاع السابق بالبرلمان د. جلال تاور ل «الإنتباهة» إنه بحسب اتفاق التعاون المشترك بين الدولتين كونت لجنة للشكاوى مناط بها تسجيل الاتهامات في مثل هذه الحالات، ويمضي تاور الى ان كلا الدولتين لديها مشكلات داخلية، دولة الجنوب تمارس الحرب مع رياك مشار، كما أن الخرطوم لديها حروب في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويزيد تاور ان اهم نقطة خلافية بين الطرفين هي ترسيم الحدود التي لم يتم ترسيمها بعد الاتفاق، وأن 80% مما تم رسمه من الحدود عادوا وقالوا انها لم ترسم، ويرى ان المشكلة بين الشمال والجنوب محتاجة لحل دبلوماسي وليس عسكرياً، وأضاف ان الجديد الذي ستخلص اليه اللجنة الامنية السياسية أن مجلس الأمن طلب من الدولتين التدخل العاجل لانهاء الصراعات والنزاعات بين الدولتين. عدم ثقة بينما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. عبد الرحمن خريس ان الاتهامات مبنية على الترتيبات الامنية واستخبارات امنية بين الخرطوموجوبا، وان الاتهامات ليست جديدة بينهما، وأضاف ان عدم توفر الثقة مازال مستمراً رغم المصالح المشتركة بين الدولتين، ويمضي خريس قائلاً إن على دولة الجنوب أن تغير عامل ثقتها في الخرطوم، مشيراً الى ان ذلك يقود الى توتر العلاقة بينهما، فدولة الجنوب دولة وليدة وحديثة يجب ان تتطلع الي اوضاع افضل تحتم عليها التعامل مع الخرطوم، وقال ان الدوائر السياسية في الدولتين تحاول جاهدة لتعثر الثقة بينهما، وعلى الخرطوم ان تنظر بعين المصلحة للموارد التي تكسبها من خلال علاقتها مع دولة الجنوب، ويمضي خريس إلى ان الاتهامات من قبل جوبا تعزز العلاقة الوطيدة بينها وبين قطاع الشمال.