من يؤيدون تأجيل الانتخابات بالتأكيد يرون أن الحزب الحاكم برئاسة البشير «المؤتمر الوطني» سيكسبها للمرة الثانية ونقول هنا «المرة الثانية»، باعتبار أن المرة الأولى التي أيدت فيها القوى السياسية إجراءها كان في ابريل 2010م. ودعك من أية انتخابات رئاسة. والانتخابات الأولى وجدت التأييد رغم أن هناك مشكلات لم تحل، مشكلة دارفور الأمنية، ولم تُستكمل المشورة الشعبية في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولم تقل القوى الأجنبية حينها بأن الظروف لم تنضج لإجراء انتخابات، وأن الدستور ليس منزلاً. لكن الآن برغم أن الظروف افضل من ذي قبل إلا أن معظم القوى لا تؤيد إجراء الانتخابات، ولو كانت تأمل في أن المؤتمر الوطني لن يكسحها، لاعترضت على تأجيلها حتى ولو كانت الظروف بالفعل غير مواتية لإجرائها. وهنا يجدر بنا ما صرّح به قبل سنوات المحامي المعروف وعضو الاتحاد الديمقراطي جناح الميرغني الاستاذ علي محمود حسنين حول نزاهة الانتخابات. حيث قال بأن التزوير يكون في مرحلة «التسجيل».. أي قبل مرحلة الاقتراع والفرز. وهنا إذاً اتفق الاستاذ حسنين مع الحزب الحاكم في احاطة عملية الاقتراع والفرز بسياج من النزاهة تحت أعين الرقابة الدولية والإقليمية والمحلية فهو بذلك يوفر عليه جهداً كبيراً في بذل المحاولات لاثبات نزاهة مرحلتها الثانية والاخيرة. لكن السؤال هنا كيف يتم التزوير في مرحلة التسجيل؟ إن أي حزب معني بأن يهتم ويتحمس لتسجيل عضويته حتى ولو كان يرفض إجراء الانتخابات في موعدها حسب الدستور. فالتسجيل يكون مرة واحدة، واذا كان تأجيل الانتخابات لسنتين أوأكثر، فإن التسجيل لن يجدد بل يضاف إليه ويحذف منه، والحذف تلقائياً بسبب الوفاة أو نزع الجنسية السودانية أوالرقم الوطني. إذاً الموقف من إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري لا يمنع الامتناع عن التسجيل أوالتحريض على رفضه. إن التفكير التنظيمي الضعيف لاغلب الاحزاب في الساحة يمكن فيه الكسب الذي يحققه المؤتمر الوطني. إن المؤتمر الوطني يكسب من سلبية الاحزاب. لكن الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل بزعامة الميرغني تخلص من هذه السلبية وأيد اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، وكأنه رأى أن التأجيل أوعدمه لا فرق بالنسبة لحزبه. ولابد أنه قارن ودرس الأمر تماماً. الميرغني وجد في التأجيل استمرار لحكم المؤتمر الوطني بصورة بمنحة من القوى السياسية الرافضة لاجراء الانتخابات في ابريل القادم. واعتبر أن هذا كسب سياسي سيجنيه المؤتمر الوطني لأنه يجعل القوى الحزبية بلا همة في كسب مزيد من العضوية في فترة الحملة الانتخابية. الامر الثاني أن المواطن سيجد أن القوى السياسية الرافضة للانتخابات تريد كسب امتيازات ومناصب مجاناً دون منافسة انتخابية في إطار ما تسميه مثلاً حكومة قومية. الأمر الثالث: حتى اذا ما أذعنت الحكومة لما تريده غالبية القوى السياسية.. هل هذه القوى بعد ذلك ستؤيد اجراء الانتخابات مثلما أيدت العام 2010م؟!.. أم ستطالب بمزيد من الامتيازات مقابل تأجيل آخر؟!.. إن الصحيح هو إما احترام الدستور واجراء الانتخابات في موعدها وإما إلغاؤها نهائياً في السودان ومبايعة البشير رئيساً مدى الحياة باستمرار توزيع المناصب لحزب الأمة وغيره. لكن حكاية التأجيل هذه لا تفيد غير الحزب الحاكم. والحزب الحاكم يبقى واعياً سياسياً مثل حزب الميرغني باستثناء بعض قادته واعضائه. الحزب الحاكم مشكلته الاساسية الأمن والاقتصاد. وكل ما سيرضي به القوى السياسية يكون من اجل حل هذه المشكلة. هذه فهمها الميرغني تماماً.. واستشعر هو أيضاً «المشكلة» نفسها.. أما بقية القوى الحزبية فهي تختلف.. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.. حزب الأمة القومي همه المناصب..و الحزب الشيوعي الذي لا يستحقها انتخابياً طبعاً همه إبعاد حكومة الحركة الإسلامية أو إفراغ مضمونها. الحركات المسلحة كلها تحركها القوى الأجنبية بوقود الكراهية العنصرية حتى ضد بعضها. أثناء الحملة الانتخابية.. لا تفسحوا المجال للمؤتمر الوطني وحده.. كونوا أذكياء مثل الميرغني. الرجل حسبها «صاح».