لو أن النفط تدفق كما النيل... شمالاً دون أن يعرقل مساره معرقل، لكنا الآن نعكف على مراجعة كل حرف كتبناه عن الحركة الشعبية، وكل قراءة استباقية لواقع العلاقة بين الشمال والجنوب عضدت استحالة بناء ثقة مع جوار لا يحترم عهدًا ولا ميثاقًا.. هي دعوة إذن لمطابقة التوقع بالواقع الأليم منطلقين من قضية النفط... والنفط يتدفق منذ العاشر من يوليو 2011م وحتى يومنا هذا عبر مرافق دولة السودان المتمثلة في الأراضي وخطوط الأنابيب والموانئ والبنيات التحتية دون دفع أي رسوم مقابل هذه الخدمة، أو إبرام اتفاق بين البلدين ينظم ذلك وفقاً لقواعد القانون الدولي التجاري للتعامل بين الدول... إذ إنه وفي إطار تعزيز روح التعاون وإبداء حسن النية تجاه الدولة الوليدة ظلت الحكومة السودانية «تستسهل» عملية تدفق النفط دون مقابل، بينما ظلت حكومة الجنوب تتخندق خلف عدم الدخول في مفاوضات لتقويم الوضع المائل حتى بلغت استحقاقات حكومة السودان لدى دولة الجنوب من يوليو حتى نوفمبر أكثر من 900 مليون دولار، وقد تحملت حكومة السودان الآثار السالبة على اقتصادها لهذا الاستهتار الذي ظل ديدن حكومة الجنوب تجاه كل القضايا العالقة، أملاً في التوصل لحل مرضٍ بين الطرفين، لكن دولة الجنوب كانت تعرف كيف يرد الإحسان!! وأخيراً صدر قرار الحكومة السودانية القاطع بعدم العبث بحقوق الشعب بعد اليوم، ما دفع دولة الجنوب للاستغاثة بهيئة المفوضية العليا للاتحاد الإفريقي برئاسة ثامو أمبيكي رئيس جمهورية جنوب إفريقيا السابق، وبالفعل تم عقد جولة مباحثات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لبحث القضايا العالقة والمتمثلة في الترتيبات المالية الانتقالية، والترتيبات التجارية، بالإضافة للترتيبات المتعلقة بنقل وتصدير نفط دولة الجنوب عبر الأراضي السودانية... ولما كان وفد دولة الجنوب برئاسة باقان أموم يستعد للتفاوض بالعقلية الرجعية، كان الوفد الحكومي يحزم أمتعته للمغادرة لعلمه التراكمي بأن أي مفاضات يقودها باقان يكون مصيرها الانهيار وعدم إحراز أي اختراق إيجابي يمكنه أن يعيد الأمور إلى نصابها، وفي الأثناء كان باقان يعرقل مسار التفاوض ويرفض كافة الحلول التوفيقية بحجة أن ذلك يُعد رضوخاً لضغوط حكومة السودان بوقف تصدير النفط عبر أراضيها، وكان يشترط أن تتم تسوية الخلاف حول قضية النفط في ظل منظومة متكاملة تشمل تسوية الوضع في منطقة أبيي وتسوية قضايا الحدود والقضايا العالقة الأُخرى.. وبذلك يطابق باقان.. الواقع بالتوقع!! لكن لماذا تنتهج حكومة السودان نهج التهدئة حيال قضايا محسومة كهذه؟ وما الذي كان سيضير حكومة السودان لو أنها أخذت نصيبها من نفط يمر عبر أراضيها لجهة امتلاكها لهذا الحق ولكونه في الأصل حقاً أصيلاً لهذا الشعب؟ مطلوبات التعامل مع جارة لا تحترم أبسط حقوق الجوار يجب أن تتعدى الوعيد، لتستقر عند الفعل السديد، ولا أرى مبرراً واحداً لوقف تدفق النفط الجنوبي طالما أننا نستطيع أخذ نصيبنا من صادراته وهو يمر عبر أرضنا، وبهذا نحسم الجدل ونغيظ باقان... ونترك الوعيد لوزير النفط في دولة الجنوب، ولعله الآن يرعد ويهدد برفع دعوى قانونية ضد السودان وضد أية شركات تنخرط فيما سمّاه «سرقة صادرات النفط الجنوبية»، هكذا يتوعد وزير النفط الجنوبي، في حين تدس حكومته مبلغ 900 مليون دولار في جيبها «سمبلة ساي»!!