يحسب النَّاس أن الطواغيت تنحصر مواصفاتهم في نمط معين من الحكام والماسكين بعنان السلطة السياسية، ولكن أمر الطواغيت يتعدى هذا الحد إلى شؤون مختلفة تتجاوز السياسة إلى المجتمع، ومحيطات التعامل، فهناك الطاغوت المادي والاقتصادي، والطاغوت الاجتماعي، والطاغوت الديني، وغير ذلك كثير من ألوان الطواغيت الذين يعاني منهم المجتمع المعاصر. وفي دنيا النَّاس، قد نجد شخصاً معتداً برأيه أخذته الرياح ليتربع على عرش مؤسسة حكومية، أو خدمته الظروف، لينجح في مجال تجارة، أو صناعة فيتضرر العاملون معه اشد الضرر، بسبب نرجسيته وفظاظته، فيأكل هذا الطاغوت من عرق العمال المساكين، ويبني مجده المادي على أكتافهم، دون أن يفي بحقوقهم، أو يضع أدنى اعتبار لقاعدة إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. ومن الطواغيت من تجري في دمائه، دماء استعباد النَّاس الذين ولدتهم امهاتهم أحراراً، ولقد رأيت بأم عيني أنماط هؤلاء الذين تمتلئ دُورهم بالحشم والخدم والبسطاء الذين يبذلون الغالي والنفيس لقاء دريهمات وعطاء مجذوذ، فلا يتورعون من مسح الجوخ وحمل الحذاء وغير ذلك من الخدمات الوضيعة لإرضاء ذلك السيد الذي وجد نفسه هكذا ملكاً متوجاً من غير تاج ألبسه الله على رأسه. وطاغوت آخر، أتته السلطة تجرجر أذيالها، وأحاطت به ثلَّة تزين له القبيح وتقبِّح له الجميل، فأصبح لا يسمع إلا كلمات الإطراء والثناء، إلى درجة أنه أضحى لا يقبل النصيحة، ولا يتحمل النقد، فأغلق الباب الذى لا يُسمح من الدخول به إلا للمطبلين والمزمرين وحارقي البخور، وهذا النوع من الطواغيت، تتجلى فيه أبشع صور الاستكبار السياسي والطغيان السلطوي، وقد يكون حسني مبارك وشاه إيران وزين العابدين بن علي هم أمثلة حية لنماذجهم التي تستدعي منا جميعاً الوقوف والدراسة لأخذ العظة والاعتبار. ومن الطواغيت من يحسبون بأن الدنيا والمال قد سخرتا لهم، فيمد لهم الرحمن مداً، حتى يتقلبوا فى النعيم، وتحت حراسة العسكر زمنًا يتجاوز العشرات من السنين، فيظن هؤلاء الطواغيت ان دوام الحال قد كُتب لهم، ولكن يندهش الجميع فى لحظة من لحظات التاريخ، بأن الحال قد تبدل، وساعتها يدرك الطاغوت، ومن كانوا فى خدمته بان دوام الحال من المحال. وأسوأ أنواع الطواغيت، اولئك الذين يحتكرون الرأى، والفقه والفتوى، فيصبح لديهم الأتباع الذين يتدفقون نحوهم بالسيارات، وتلتف حولهم الجموع، وتتحول دورهم الى أماكن تقدم فيها فروض الطاعة والولاء، وبهذه الممارسة يتحول الدين الى مادة وبضاعة محتكرة، والأسوأ من ذلك لجوء مالك البضاعة الى قطر التلاميذ والحيران فى قاطرته، فتكون النتيجة حركات متشددة، وجماعات متطرفة، تقتل النَّاس فى الطرقات، وتكفر خلق الله، الذين آمنوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. والطواغيت فى هذا الزمان، ليسوا نمطاً واحداً، لكنهم أنماط متعددة، خاصة بعد أن تعقدت الحياة، وتوسعت العلوم، وتطورت الفنون، والعاقل يميز بين كل هذه الأنماط. ولكن الذي نحمد الله عليه، ونحن نحمده على كل حال، بأن أي طاغوت له في هذه الدنيا أجل، كما أن لكل بداية نهاية، ولا يبقى في عقيدة المؤمن الا الواحد الأحد الديان، وأن الله يُمهل ولا يُهمل.