تمخّض الجبل فولد حكومة من 14 حزباً، تشكِّل أطيافاً مختلفة، متعددة المشارب والمنابت، والأمزجة السياسية، فيها اتساع للأفق العام، استوعب فيه الماعون السلطوي الكثير من الجهات والأصقاع والأحزاب خاصة التي توالدت من أزمنة القحط السياسي، التي عانقت الأحزاب الكبيرة واستفادت من ظلها الممدود وطلع السلطة النضيد. صحيح أن تيارات عديدة شاركت في الحكم وكان الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، كريماً للغاية في توجهه نحو الحكومة العريضة، أعطى ولم يستبق شيئاً، واحتفظ هو بلباب السلطة وعظم الوزارة وقطافها، في أكبر عملية لتقاسم الحكم تشهدها البلاد منذ الاستقلال، إذا كانت الأحزاب والقوى السياسية مجرد أرقام عددية تكتب ولا ترى بالعين المجردة.... فكل تشكيل من خمسة قيادات انسلخ أو اجترح نفسه من فخذ حزبي ما، أُجلس على مقعد من مقاعد الحكومة العريضة، حتى لكأن لم تبق مزعة من لحم السلطة لم يلقَ في حجر أحد من الأحزاب اللافتات. أما المؤتمر الوطني، فقد كان أميناً جداً لمفهومه للتغيير، فالتغيير يعني تغيير الآخرين، وإدخال أحزاب وتنظيمات سياسية جديدة، وليس هو الذي يبدأ بالتغيير، أعاد نفس الوجوه مع تنقلات طفيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، حرّك بعض الوزراء من مكان لآخر، وأزاح القليل من هؤلاء الوزراء للصفوف الخلفية في انتظار جولة جديدة، لكن الأمور ظلت كما هي بلا تغيير ولا يحزنون. هل بعد كل هذه الأشهر، نحصد هذا الحصاد....؟؟ نتاج قليل الدهشة، أليف الوجه واليد واللسان، فوزراء المؤتمر الوطني في وزارته التي استأثر بها ومكمن السلطة الحقيقية (القطاع السيادي قطاع الدفاع والأمن المال والنفط) كلها وزارات من أنصبة المؤتمر الوطني، الذي لم يتغير من ملامح. وجهه شيء يذكر، لكنه أضاف مساحيق غيره على أيدي وأطراف السلطة ليعطي الانطباع بعرض وطول الحكومة. ثم أنه من التشكيل الوزاري يتضح أنه لم تكن هناك معايير على الإطلاق ويتحمل من عجنوا عجينة هذه الوزارة وزر إغفال الكفاءات وأهل الخبرة والدراية وأصحاب القدرات الحقيقية والمساهمات الوطنية، فنحن بلد في طور البناء والنهضة، لا يحتاج لغير أهل العلم والمعرفة والخبرة، للإسهام في تطويره، وقد عمدت الأحزاب المشاركة بما فيها الوطني لتقديم مرشحيها وفق المحاصصات وخطف الغنائم للمحاسيب والشلليات كيفما اتفق... دون أن ينتبه أحد للقيمة الحقيقية للوزير وكفاءته وتخصصه وقدراته التي تؤهله للعمل.. هل نحن حقل تجارب تمارس فينا الأحزاب السياسية بمختلف مواقعها وأحجامها ومسمياتها، لعبة السلطة السمجة؟، وتجرب فينا كوادرها من الصف العاشر ليكونوا وزراء في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ البلاد..!! الشيء الأهم أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لم يحسن توزيع الوزراء حتى بمعيار المناطقية والجهوية، فهناك وزارات اختير لها وزراء من مدينة واحدة ومنطقة واحدة مثل وزير الداخلية ووزير الدولة بالداخلية.. كيف فات عليهم أن إبراهيم محمود وبابكر دقنة رغم اختلافهما سياسياً فهما من شرق السودان من منطقة واحدة كان يمكن أن يكون دقنة في وزارة أخرى، طلباً للتنويع وترتيب الحصص وفق معيار الجهة. حكومة بهذا التكوين، رغم أنها عريضة المنكبين ضخمة القدمين، ممتلئة الجسم «تصقع فيها القملة» كما يقال في المثل السوداني القح الصميم، جاءت دون الطموح المتوقع ، ولم تلبِ كل تطلعات الشعب السوداني في النهضة والبناء والتغيير، ستكرر ذات النهج والأخطاء، إلا إذا كان المؤتمر الوطني وشركاؤه، قد استبدلوا عصيهم بعصا موسى، وحمل كل منهم في يده مصباح علاء الدين.