دعوات متجددة ظل الحزب الحاكم المؤتمر الوطنى يعلن عنها بين الفينة والأخرى عن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تضم جميع القوى السياسية، بجانب تعديلات جوهرية فى شكل الدولة، تراعى تقليص عدد الوزارات ودمجها ومن ثم تفعيل الحكومة بدماء حارة ووجوه جديدة فى عدد من المواقع المهمة والحساسة لتحل مكان قيادات قديمة تنقلت بين المواقع والوزارات المختلفة طوال العقدين السابقين، الا ان هذه الدعوات لم يتعد صداها صوالين وقاعات المؤتمر الوطنى نفسه لتتصدر عناوين الصحف العريضة ومن ثم يقابلها حراك محبط من الشارع العام والقوى السياسية يصفها بأنها مجرد تصريحات لا اساس لها من الصحة ظلت تفصلها الحكومة على مقاسها بوجود مشاركة صورية للأحزاب. وكان ان نقلت الصحف الصادرة امس تصريحات تؤكد ان الحكومة بصدد اصدار قرارات فى القريب العاجل من شأنها احداث تغييرات واسعة في شكل الدولة والحكم بالبلاد، وكشف رئيس القطاع السياسي في الحزب الحاكم قطبي المهدي في تصريح موثق من مصدر محسوب على الحكومة نفسها ان الفترة القادمة ستشهد تغييرات عديدة فى هيكل الدولة بمشاركة القوى السياسية المختلفة. وقال المهدى فى تصريح للمركز السوداني للخدمات الصحفية ،ان الشعب السوداني سيستقبل قرارات جديدة تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد انفصال الجنوب، الا انه لم يخض في التفاصيل ما فتح الباب واسعاً للتوقعات والتكهنات لشكل الحكومة الجديدة، وذهاب وجوه قديمة من سدة الحكم وتغييرها بقيادات شابة. واوضح المهدى أن القرارات المرتقبة ستعطي اشارات واضحة ومؤثرة تجاه بنية الدولة الجديدة وشكل الحكم وكيفية المشاركة في السلطة، فضلا عن مشاركة الأحزاب في التشكيل الوزاري الجديد، وتوقع مشاركة واسعة للأحزاب والقوى في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية في الحكومة العريضة وأن تكون مشاركة المؤتمر الوطني بنسبة متكافئة لتذهب البقية لصالح الأحزاب السياسية الأخرى. الا ان حديث الرجل قوبل بكثير من الشك من القوى السياسية والشارع العام فى ظل تمسك قوى المعارضة ببرنامجها وشروطها للقبول بالمشاركة العريضة فى الحكم والتى تتعارض مع رغبات المؤتمر الوطنى حسب رأيهم. فى اولى ردود الافعال على التغييرات المرتقبة، اشترط زعيم حزب الامة القومى الإمام الصادق المهدي تنفيذ البرامج المقترحة عبر حكومة قومية عريضة حقيقية بدماء جديدة في كل مستوياتها ،وقال ان الاستمرار بذات الوجوه يعني فقدانها للمصداقية، وشدد المهدى على ضرورة تأسيس حكومة بهيكلة جديدة تفصل القوات المسلحة من السلطة، وترفع يد الحزبية عن كافة مؤسسات الدولة، وقال «اذا قبل المؤتمر الوطني هذه المبادئ التي سوف يشارك في تنفيذها فنحن مستعدون للعمل على تحقيق الاجماع حولها ليخرج السودان من الهاوية» ، واضاف «ولكن اذا رفضها فانه بذلك سوف يفتح المجال واسعا لاجندات المغامرة بكل أنواعها ،ويمنح اصحاب اجندات التمزيق والتدويل مجالا واسعا»، واوضح المهدي ان المعارضة أمامها خياران، خيار توحيد كل فصائل ووسائل الاطاحة في اطار شعار «الشعب يريد اسقاط النظام»، وخيار آخر في اطار الشعب يريد تغيير النظام. وذكرت مصادر مطلعة ل «الصحافة»ان اللجنة الخماسية المنبثقة عن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني والتى يشرف عليها الرئيس عمر ، قطعت شوطاً كبيراً في رسم ملامح تشكيل الحكومة الجديدة، واكد ذات المصدر أن اللجنة الخماسية تدير تشاوراً حول عدد من الأسماء داخل وخارج الطاقم الوزاري الحالى لتولي مناصب في الحكومة الجديدة، وان التغيير سيتم وفقاً لدمج وتفكيك الوزارات، وتوقع المصدر الغاء وزارة الاستثمار، ودمج وزارة العمل مع تنمية الموارد البشرية والتجارة الخارجية مع الصناعة والاعلام مع الثقافة، ووزارة التعاون الدولي تتقاسمها وزارتا المالية والخارجية، وأضاف أن اللجنة وضعت معياراً لتسمية الوزراء يقوم على أساس ضرورة تغيير الوجوه التى استوزرت لدورتين، فضلاً عن اتجاه قوي لابعاد من يتولون أمانات بالمؤتمر الوطني عن الجهاز التنفيذي، بجانب تغيير جذري في الوزارات السيادية. واوضح عدد من المراقبين ان اعادة تشكيل الدولة يجب أن يشمل اصلاح الادارة الحكومية عبر ثلاثة مستويات تبدأ بالمستوى الأول بتغيير آلية الحكومة من خلال اعادة هيكلة الادارات وانشاء وحدات لتقديم الخدمات وتعزيز اللامركزية في السلطة والمسؤولية بموازاة الفصل بين السياسة وتقديم الخدمات، مع التوجه نحو آلية استخدام الكفاءات «الرجل المناسب فى المكان المناسب» بعيداً عن مظلة الحزبية الضيقة لبناء الدولة وليست الحكومة ومن ثم تحسين الموارد والمشاركة، واعادة النظر في عمل الهياكل التي تشرف على تطبيق النظم والقواعد، واعمال الشفافية والنزاهة في المعاملات ما يساعد على توفير المصداقية والثقة بين مختلف الأطراف المعنية بالتنمية من خلال ايجاد نظام تنافسي في مجتمع ديمقراطي مؤسسي يقوم على أساس دولة القانون. وعلق المحلل السياسي د. الطيب زين العابدين ل«الصحافة» ، على تناقضات المواقف المعلنة من قضية الحكومة العريضة بقوله ان السياسيين دائما ما يحاولون ان يقدموا صورة متفائلة ، وان كانت لا تعكس حقيقة الواقع، واكد ان التصريحات المعلنة ازاء هذه القضية تحديدا لا تعكس حقيقة ما تعيشه الساحة السياسية ، او تكشف طبيعة ما يدور فيها، غير انه رأى ان الاحزاب لا يمكن ان تخضع لشروط الوطني المعلنة فى ظل رؤيتها لشكل الحكومة العريضة من زاويتها. وفى حديثه ل «الصحافة» قلل المحلل السياسى صديق تاور من دعوات المؤتمر الوطنى بشأن مشاركة الأحزاب فى الحكومة العريضة التى يدعو لها واعادة هيكلة الدولة وتغيير الوجوه الحالية ، وقال «حديث الوطنى لايختلف عن التجارب السابقة فى تعامله مع قضايا وأزمات الوطن السياسية» ، واضاف ان نفس النهج والسلوك اصبح قاسماً مشتركاً بين قيادات الحزب الحاكم، ووصف تصريحات غندور بأنها مجرد تخدير للساحة السياسية، وربما احتواء للتململ الموجود داخل قواعد الحزب خاصة الشباب فى الأمانات المختلفة والجامعات، وتوقع تاور اذا حدث تغيير ان يتم فى المؤسسات العسكرية والأمنية، وقال « ماعدا ذلك فان لعبة تبادل الكراسى ستظل مستمرة الا اذا أمن المؤتمر الوطنى بضرورة التغيير بصورة حقيقية وليست شكلية» . وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسى الحاج حمد ان المؤتمر الوطنى يدرك حالياً ضرورة تغيير واعادة هيكلة الدولة لأن الحزب الحاكم يعانى من تململ فى داخله وقيادات تحلق خارج اسراب الحزب فى ظل قاعدة مشلولة عن القيادة المنفردة بتصريف شؤون الحكم ، وقال «المؤتمر الوطنى يواجه مشاكل داخل مؤسساته» ، وتوقع حمد ان يتم تشكيل الحكومة ومشاركة الأحزاب فيها بنفس الصورة السابقة باتاحة الفرصة مرة اخرى للأحزاب المؤيدة لبرنامج المؤتمر الوطنى ، وقال «احزاب الفكة موجودة وستشارك بصورة شكلية لمؤازرة الحزب الحاكم»، واوضح حمد ان قوى المعارضة لها اجندتها المطروحة ورؤيتها الخاصة للمشاركة فى الحكومة العريضة، وقال «طرح زعيم حزب الأمة عددا من النقاط عرفت بالأجندة الوطنية ووضعها شروطا واضحة للمشاركة فى الحكم» ، واضاف ان قوى اجماع المعارضة لاتختلف كثيراً فى رؤيتها عن الأجندة التى طرحها الإمام الصادق المهدى، وقال ان الحكومة القادمة حكومة مفصلية مابين الانقلاب السلمى لانتفاضة الشعب وسخط الشارع العام الذى يعانى من غلاء المعيشة وطحن الأسعار وبين تنازلات جريئة من المؤتمر الوطنى لصالح الوطن والدولة وليست لصالح الحكومة والحزب للخروج بالبلاد الى بر الأمان.