يتبنى بعض الذين أغوتهم الشعارات السياسية، أفكار زعماء ويقومون بالإنابة عنهم بالترويج بمثل ما تُعرض من قبل الذين تخصصوا فى فنون تسويق وتزويق البضائع في الأسواق. وأعجب جداً من نفرٍ عمدوا إلى إعطاء عقولهم وأمخاخهم إجازة وطفقوا هكذا يرددون أقوال غيرهم، دون التوقف لحظة لقياس مدى معقولية هذه الأقوال ودرجة مقبوليتها لدى من يستمعون إليها. وعلى سبيل المثال عندما نستمع للمسؤول السياسي للمؤتمر الشعبي، فإننا لا نكاد نميز بين الألفاظ والعبارات التى يتحفنا بها الدكتور الترابى، وبين ما درج على ترداده مسؤول حزبه الذى لا يستطيع الانحراف عما صرح به، كأنما أن الذى تجود به قريحة الدكتور الترابى لا يمكن لشخص آخر أن يأتى بما يخالفه. والسياسيون بالوكالة، تضمحل شخصياتهم وتذوب أفكارهم، بمثل الوكيل الذى نص العقد على حدود وكالته ولا يستطيع مطلقاً تجاوز الصلاحيات التى مُنحت إليه من قبل الأصيل مانح الوكالة. وقد تفيد مثل هذه الممارسة فى العقود التجارية والمدنية، ولكن تصبح عيباً فاضحاً عندما تنسحب على من يدعون السياسة خاصة إذا تحولوا إلى ببغاوات ومكبرات لصوتٍ، حيث يختفي الصوت ويبقى الببغاء صامتاً عندما لا تأتيه الإشارة السمعية بأنه استمع لمن يتحدث حوله. ووفقاً للمتابعة الدائمة، لمواقف حزب المؤتمر الشعبي، فإننا لا نكاد نرى موقفاً أو تصريحاً لمسؤول فيه قبل أن يبتدر زعيم الحزب الرأي، والغريب أن زعيم الحزب عرف بأنه لا يبالي في إلقاء التهم والسخرية حتى على أتباعه سابقاً ولا حقاً، لكنه يتيح لهم كل الفرصة للتعليق بشكل يشير إلى رحابة صدره، وقدرته العالية علفى قبول رأي من يخالفه، وهو الأمر الذي دعا إلى إطلاق مصطلح لا ينطبق إلا على الدكتور الترابي، وهو أنه شوري الرأي لكنه استبدادي الممارسة. وبغض النظر عن رؤية الذين يجادلون حول صحة ذلك من عدمه، غير أن التصريحات السياسية المنبعثة من قيادات حزب المؤتمر الشعبي لا توحي بأن للشورى قيمة تذكر فى أروقة الحزب، وفيما يبدو أن حياة الحزب مرهونة ببقاء زعيمه، وأن معظم الذين يتحلقون حوله، هم من المتأثرين بشخصيته، والمغرمين بفتاواه، وتلك مسألة أثبتتها الأيام، خاصة عندما يبقى الزعيم لسبب أو لآخر حبيساً في السجن، والحزب السياسي المحكم الهياكل، والذي يخضع في قراراته لأجسام شورية، ويقود خطاه مفكرون، لا يصبح في بيات شتوي إذا غاب عنه شخص لمرض طارئ أو ظرفٍ أملته تصاريف الأيام. ولا تجد رأيًا فى الساحة يشذ عن الرأي العام فى قضية المحكمة الجنائية، ولا فى قضية التمرد فى جنوب كردفان، ولا فى مسألة دارفور بقدر ما نجد ما يحيرنا من آراء يتبناها زعيم المؤتمر الشعبي، ثم يتصدى لترديدها من تخصصوا فى ممارسة السياسة بالوكالة، إذ لا تصلح الأفكار السياسية عندما يتم التعامل معها بطريقة توثيق العقود وتحرير الوكالات. وليس غريباً أن نطلق على زماننا هذا، زمان الحرب بالوكالات، والحقد بالوكالات، والعداء بالوكالة، عندما يتحكم فى الرأي شخص، وإن كان حبيساً بين أسوار السجون.