في خطوة يمكن وصفها بالجريئة أقدم زعيم الإسلاميين في السودان الدكتور حسن الترابي على تقديم واجب العزاء في مقتل رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم بمنزله كأول السياسيين السودانيين، ومن ثم وصفه لخليل بالشهيد في وقت تعتبره الحكومة السودانية عدوها الأول في الوقت الراهن، بل إنها أقامت احتفالات كبيرة عقب مقتله. في خطوة يمكن وصفها بالجريئة أقدم زعيم الإسلاميين في السودان الدكتور حسن الترابي على تقديم واجب العزاء في مقتل رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم بمنزله كأول السياسيين السودانيين، ومن ثم وصفه لخليل بالشهيد في وقت تعتبره الحكومة السودانية عدوها الأول في الوقت الراهن، بل إنها أقامت احتفالات كبيرة عقب مقتله. ولا تبدو العلاقة بين الرجلين عادية مثل سائر العلاقات بين السياسيين السودانيين ، بل هنالك سر خفي ظل يجمع بين «الشيخ» واحد «حوارييه» النجباء كما وصفه احد القيادات الدارفوية ، وبالرغم من أن حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي ظل ينفى على الدوام وجود أية صلة تنظيمية له بحركة العدل والمساواة والتي تقول الحكومة السودانية ما هي إلا الواجهة العسكرية للحزب المعارض، الآن كثيرا من المراقبين المتتبعين لسيرة خليل إبراهيم يجدون انه كثير التأثر بالأب الروحي للإسلاميين في السودان ، وذلك حينما طالب رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم، خلال مباحثات الدوحة بضرورة ان يتقلد احد الجنوبيين حكم البلاد حتى لا يحدث الانفصال بين الشمال والجنوب وقتها وهو ذات ما ظل الترابي ينادى به. ويعتقد كثيرون أن خليل لم يكن إلا امتدادا للترابي وانه كان يحاول أن يطبق الأفكار ذاتها التي يعتنقها زعيم الإسلاميين وعرابهم، وان فرضية أن العدل والمساواة هي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي تبدو صحيحة من هذا المنطق. ولا يرى المحبوب عبد السلام، احد قيادات المؤتمر الشعبي صحة هذه الفرضية، وقال لي في وقت سابق أن خليل ما هو إلا احد تلاميذ الترابي المنتشرين في كل أنحاء العالم وليس بالضرورة أن يكون امتدادا لأفكاره (الترابي مفكر معروف وله إسهاماته الفكرية الواضحة ، أما خليل فهو كادر في الحركة الإسلامية واختار طريق العنف ليطالب بما اعتقد أنها حقوقه المشروعة). قبل نحو ثلاث سنوات، و قبل ان يتحرك مقاتلو حركة العدل والمساواة من منطقة «ام جرس» في طريقهم نحو امدرمان في عملية تم إطلاق اسم «الذراع الطويل» عليها ، خاطبهم قائدهم خليل بخطاب مشحون بعاطفة دينية - حسبما ما ظهر في مواقع اليو تيوب - وطالبهم بإقامة العدل وإحقاق الحقوق، بينما كان المقاتلون يهتفون في حماسة (سير.. سير ياخليل) وهذا الأمر يعيد للأذهان خطابات الترابي الحاشدة والحماسية التي كان يلهب بها حماس المجاهدين قبل أن يتوجهوا إلي مناطق العمليات العسكرية في الجنوب. يقول سليمان جاموس، وهو يتقلد منصب منسق الشؤون الإنسانية بحركة العدل والمساواة ان خليل كان متأثرا بشكل كبير بالترابي وكان كثيرا ما يستشهد بآرائه وأفكاره. ويضيف جاموس الذي يعتبر من تلاميذ الترابي أيضا ان خليل هو أكثر أبناء دارفور تأثرا بالترابي ( كان كثيرا ما يقلد خطابات واكليشيهات الترابي خلال الجلسات الخاصة ويؤمن بأن الترابي بإمكانه حل مشاكل السودان كافة). ويعتقد المحلل السياسي إدريس الدومة ان الشخصيتين تتميزان بصفة قل ان توجد في السياسيين السودانيين وهي الشجاعة في التعبير عن المواقف السياسية. ويدلل الدومة على حديثه بحادثتين: الأولي هي جرأة خليل في ?خوله الي مدينة امدرمان بقواته لأول مرة في التاريخ السياسي للبلاد ، مخالفا بذلك كل فصائل دارفور التي لم تفكر قط فى غزو العاصمة وإنما اكتفت بحرب المدن والعصابات ، والثانية هي دعوة الترابي صراحة للرئيس عمر البشير لتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية التى تتهمه بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في دارفور ، وهو مالم يسبقه اليه اي سياسي سو دانى حتى من قيادات الحركة الشعبية المتطرفة ، العدو المفترض لحزب المؤتمر الوطني . وبالنظر إلي منفستو حركة العدل والمساواة ، طبقا لما هو مكتوب في موقعها الالكتروني فإن الحركة تصف نفسها بالقومية وتنادي بإزالة ما وصفته بالتهميش عن كافة أنحاء السودان وليس دارفور فقط كما تنادي بذلك بقية الفصائل في الإقليم. وربما لهذا السبب ذهب كثير من المراقبين للاعتقاد بأن خليل كان يريد ان يعمل بالوكالة لصالح الترابي قبل مقتله في رمال شمال كردفان ، وكذا علي غرار ما حدث في بداية عهد ثورة الإنقاذ الوطني ، عندما وضع الترابي كل تلاميذه في القصر الرئاسي، غير ان المحبوب يفند هذه الفرضية ايضا ويقول ان الترابي لا يحتاج إلي من يعمل لصالحه بالوكالة (صحيح أن خليل يحمل أفكار الإسلاميين ، ولكن من غير الممكن أن يعمل لصالح الترابي في المستقبل). اما سليمان جاموس فيقول ان كل شئ جائز في فكر الإسلاميين (خليل غير مصنف من ثوار دارفور وكثير منهم يعتقد أنه يمثل امتدادًا لأفكار الترابي). ويميل الدومة إلي قبول فرضية العمل بالوكالة باعتبار انه امتداد لتنفيذ فكرة قديمة مرتبطة بالإسلام السياسي ( خليل ما يزال يعتنق فكرة قيام الدولة الإسلامية وهي نفس الأفكار التي تشبّع بها من تنظيرات شيخه الترابي). والمفارقة اللافتة للانتباه هنا ، ان الترابي أكد أكثر من مرة بأنه سيحل مشكلة دارفور - لو أراد - في فترة وجيزة بل انه قال في إحدى تصريحاته الصحافية «إنني سأجد حلاً لمشكلة دارفور في غضون ثلاث دقائق». بينما يتهم خليل إبراهيم بأنه وحركته العدل والمساواة احد الأسباب الرئيسة التي جعلت الأزمة في دارفور تتطاول وتتعقد لتصل إلى تسع سنوات منذ اندلاعها في العام 2003، والان بعد ان قتل خليل قبيل أن تحل أزمة دارفور ، هاهو الترابي يعود مرة أخرى إلى منزل خليل في حي «عد حسين» ويؤكد ان حزبه بإمكانه حل أزمة دارفور وان مقتل خليل سيكون حافزا لهم لتحقيق ذلك لأنه -أي خليل - احد رجالات الحركة الإسلامية القلائل الذين لا يغيرون مواقفهم مهما تطاولت عليهم المصائب. نقلاً عن صحيفة الصحافة 27/12/2011م