لم تكن زيارة النائب الاول علي عثمان إلى شمال دارفور الا إيذانا ببداية عمر الجمهورية الثانية التي دعا اليها طه نفسه. وفي الرحلة إلى هناك طالع طه كما أشرنا في الحلقة الأولى من تغطية رحلته كل الصحف بالطائرة والتي وجهت إحداها يومذاك تهماً بالفساد إلى مستشار بوزارة العدل، تلك المؤسسة المنوط بها ضرب مكامن الفساد وقطع يد المفسدين. وللمفارقة كان وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة بمعية طه، وقد أدار رئيس تحرير «الوفاق» الأستاذ رحاب طه وشخصى حواراً طويلاً معه داخل الطائرة في طريق العودة مساء أمس الأول، انحصر حول الفساد. ولأننا لم نستأذن الرجل في نشر ما دار، إلا أن ملخص الحوار كان تأكيدات منه بالاهتمام بكل ما يرد في الإعلام ومتابعته بشكل دقيق، أو بالاصح التحري حول أية معلومات أوردتها الصحافة، ولفت الانتباه إلى أن الأمر قد يستغرق وقتاً. ولعل مرافقة دوسة للنائب الأول لم تكن اعتباطاً، سيما أن الرجل طوى أهم وأخطر ملف حامت حوله شبهات الفساد، وهو المتعلق بسوق المواسير، بل تجاوز دوسة كثيراً من المطبات حتى في إحدى المرات لمسه طرف السوط، عندما استغل أحد أفراد فريق التأمين الخاص به عربة الوزارة في قضية العملة القديمة التي بت فيها الوزير بطريقة شجاعة. ولعل علامات محاربة الفساد برزت من خلال تجديد الثقة في شخصيات تفاخر بها الإنقاذ على رأسهم دوسة، ووزير الإرشاد والأوقاف خليل عبد الله، ووزيرة التربية والتعليم سعاد عبد الرازق التي كانت ضمن وفد النائب الأول، بل حتى وزير الإعلام الجديد عبد الله مسار الذي كان ضمن الوفد، أعلن هو الآخر وبطريقة غير مباشرة حربه على الفساد من خلال تعهده بمحاربة وإبعاد كل من يعطلون العمل أو يجيرونه لمصلحتهم ويهدرون مال الدولة. طه في شمال دارفور دشن الحكومة العريضة بإعلان محاربة الفساد، وقد ظل في كل لقاءاته الجماهيرية في كل من محليات الفاشر وسرف عمرة وكبكابية والكومة حيث افتتح فيها نحو «28» مشروعاً جلها معنية بالتمويل الأصغر ومشروعات الانتاج والتعليم، ظل يشير إلى أن هذه المشروعات علامة لتوظيف المال العام في ما يعود بالنفع على المواطن، وأن الحكومة رسمت خريطة طريق لعهد جديد ولسودان جديد قائم على الشفافية ومحاربة المحسوبية، وقد دعا مواطني شمال دارفور إلى أن يكونوا يداً واحدة ومتوحدين، ويكون ترابطهم حتى لا يقطعهم سيف، ورددها فى جل لقاءاته وقال لهم: «هيا الى مسارح العمل لا العمليات.. هيا إلى اليراع والبنان لا السنان.. هيا إلى الوحدة لا الشقاق» وكان من مظاهر نية الحكومة محاربة الفساد فى حديث طه إشارته الى سقوط الجهوية الى الا بد وقوله: «قبيلتنا هي الكفاءة وجهويتنا هي الخبرة». لكن تحريضه الجميع لمحاربة الفساد وضع له اشتراطات تتعلق بعدم الإصغاء للشائعات والمغرضين، وهنا مربط الفرس، بتحديد الخط الفاصل ما بين الشائعة والحقيقة، وبين المعلومة الكاملة والمنقوصة، وبين نية الحكومة في محاربة الفساد وتخدير المواطن !! ويبدو طه صادقاً في ما ذهب إليه رغم خطورة الأمر الذي قد يُعرقل من جهات كثيرة قد تكون متنفذة. ونذكر في حديث طه أمام جلسة تشريعي شمال دارفور لدى افتتاح دورة أعماله الرابعة التي كانت جلسة البشريات، حيث تعهد برعاية التعليم بالولاية وملف الصحة وتدريب القابلات وغيرها من المطالب التي تقدم بها والي الولاية عثمان كبر الذي وصفه طه بعمدة الولايات وامتدح دفتر أعماله، وفي الجلسة قال طه: «نريد شأنا عاماً يُدار تحت شمس الحقيقة حتى نقضي على جراثيم الفساد والاتهامات الباطلة».. ولعل الأغنية التي أطربت الجميع وعلى رأسهم طه وأشاد بها ويقول مطلعها «ليكي يا دارفور تحية ليكي يا دارفور سلام» تؤكد أحقية دارفور بالسلام، بعد أن كانت مسرح إشهار الحكومة لسيف محاربة الفساد.