وقف البرلمان في جلسته الأخيرة سداً منيعاً أمام رغبة وزير المالية في زيادة أسعار البنزين، والقناعة الراسخة لدى النواب أن أية زيادة في أسعار الوقود ستكون لها إسقاطاتها السلبية على العديد من السلع وفي معظم مناحي حياة المواطنين، غير أن الوزير يرى عكس ذلك ويهدد ويرمي الكرة وهي نار حامية في عبء البرلمان ويراهن قائلاً «إما إجازة الزيادات أو الكارثة». بيد أنه لم تفلح كل الضغوط التي قدمها وزير المالية علي محمود تجاه البرلمان لإقناعه بذلك، نسبة لتشدده بعدم تمرير زيادة اسعار البنزين، الأمر الذي زاد من تخوف المالية من هذا الرفض الذي ربما قاد الى عجز في توفير السلع الاستهلاكية مستقبلاً والموازنة العامة كما ترى المالية، لكن رئيس الهيئة التشريعية لنواب المؤتمر الوطني د. غازي صلاح الدين قطع بوجود بدائل أخرى بخلاف رفع الدعم لتغطية العجز الذي بررت به المالية ضغوطها وحججها التي لم تأتِ أكلها في ظل تمسك البرلمان بإسقاط مقترح زيادة البنزين وترجيح النواب للرأي نفسه، نافياً ما ذهب إليه الزبير أحمد الحسن بالتأكيد على أن دفع النواب ليس من باب الخوف من الرأي العام. وإذا تناولنا رفض البرلمان لتمرير زيادة البنزين ومدى تمسكه برأيه من زاوية أخرى، نجد أن البرلمان في هذه المرة أخرج أظافره وقبض بأياد من حديد على رأيه، وأحكم القبضة حتى لا يتم تنفيذ القرار الذي كان رافضاً له منذ بدايته، بالرغم من طعن الجهاز التنفيذي «وزارة المالية» في صحة مبررات البرلمان، بل تقدم الأخير بجملة أشياء أخرى تكون عوضاً لزيادة البنزين، تتمثل في تخفيض رواتب الدستوريين والفئات العليا من المسؤولين، وترشيد صرف المؤسسات الحكومية والمضيء في خصخصتها، بجانب تخفيض حصة البنزين المخصصة للسيارات الحكومية. الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، دعا في حديثه مع الزميلة «الرأي العام» إلى أن تكون هنالك معالجات عديدة يمكن أن تكون أخفَّ قدراً من زيادة البنزين، وقال إن البدائل تتمثل في تطبيق سياسة تقشفية تشمل خفض الصرف الحكومي، مع وضع التزام قوي بتطبيق ذلك، وتطوير هيكلة المؤسسات الحكومية، وزيادة العائد من الاستثمار، والاستمرار في خصخصة الشركات الحكومية وبيع أسهمها، والاستفادة القصوى من عائدات الخصخصة، بجانب تدوير أرباح الشهادات الحكومية بأن تذهب للمالية مباشرةً. وأضاف: «لسنا ضد سياسات رفع الدعم إلا أن إزالة ورفع الدعم غير مناسب في هذا التوقيت، سيما أن هنالك ضغوطاً على المواطن من خلال ارتفاع معظم الأسعار». الأستاذ عباس الخضر أوضح في حديثه ل «الإنتباهة» أن البرلمان قدم أدلة وبراهين تعزز رفضه القاطع لتمرير أسعار البنزين، كما أنه اعترض اعتراضاً مؤسسياً مبنياً على حجج قوية، لذا كانت حجة الطرف الآخر ضعيفة ولا أساس لها، وكشف عن جملة بدائل تم الحديث عنها مسبقاً، إلا أن وزارة المالية لم تكن حريصة عليها مثل «الاتصالات، المياه الغازية والتبغ وما إلى ذلك». وأضاف أن البرلمان قد أجاز الموازنة في سماتها الأولى، وستدخل بعد ذلك مرحلة القراءة الثالثة، وسيقدم البرلمان البدائل الأخرى بأدلة وافية. ونصح وزارة المالية بألا تلجأ للبديل «الساهل» وإنما عليها اللجوء للبدائل التي تجتهد فيها حسب قوله. وقطع عباس في نهاية حديثه بأن البرلمان لن يوافق على زيادة البنزين بأي حال من الأحوال.