صديقي الذي هجر البلاد سنوات طويلة عاد قبل أيام قلائل وهو يرسم صورة زاهية للخرطوم بعد أكثر من عشرة أعوام، وعلى الرغم من التغيرات الكثيرة في المدينة، إلا إن صديقي كانت له ملاحظة أخرى ربما لم يرها من هم يعيشون في قلبها، فقال لي إن كل الشوارع التي مرَّ بها وجد فيها إعداداً كبيرة من المتسولين من مختلف الأعمار والأجناس، فمنهم الشيخ المسن والشاب الكبير والأطفال و... و..... وشوارع الخرطوم امتلأت بالمتسولين في وجود ديوان الزكاة ومشاريع الأسر المنتجة والتمويل الأصغر، وقائمة طويلة من المشاريع التي من المفترض أن تكون خير عون لفقراء بلادي وانتشالهم من هذه الظاهرة الخطيرة. والتسوُّل هو طلب مال أو طعام من الناس باستجداء عطفهم وكرمهم، إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها وجود المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالباً مثل مسح زجاج السيَّارة أثناء التوقف عند الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة. إن ظاهرة التسوُّل أصبحت مقلقة، خاصة أنها انتشرت في عاصمة البلاد وغيرها من مدن السودان، وأصبحت تحتاج للوقوف عندها بتأنٍ ودراسة اجتماعية توضح أسباب هذه الظاهرة. وبخلاف ما يذكره تعريف التسوُّل في اللغة فإن السودان شهد في الفترة الأخيرة دخول بعض الفتيات الصغيرات السن هذا العالم، وهذا الدخول يفرض سؤالاً مهماً، هو: لماذا انتشار هذه الظاهرة وسط الفتيات الآن؟ وهل الضائقة المعيشية هي السبب؟ أم العطالة التي انتشرت؟ أم هناك أسباباً أخرى؟ ومؤسسات الدولة المسؤولة «داقة طناش» منها، وواجبها محاربة هذه الظاهرة بآلياتها المتاحة. إن أغلب دول عالم تمنع التسوُّل وتكافحه بطرق مختلفة قد تفلح وقد تفشل ولكنها تحاول، فإن التسوُّل قد يدفع إلى الجريمة بكل أشكالها، فهو بداية الطريق للانحراف، والإسلام يحرمه ويدعم المتسولين، نظراً لما له من إضرار على المجتمع ورقيه. وبعد أن وجد قرار الأخ معتمد الخرطوم عمر نمر بالسماح لبائعة الشاي بالعمل دون الأجنبيات الارتياح لدى الكثيرين، فإن المواطنين يضعون آمالاً عريضة على نمر، لتكون بداية مكافحة هذه الظاهرة من محليته، ومن ثم محاربتها في جميع محليات الولاية والسودان بصورة عامة .