أثار رجل ثلاثيني مختل العقل هلعا وسط المارة بالقرب من تقاطع شارعي المك نمر والطابية المحاذيين لمستشفى الاسنان بالخرطوم وحصب المارة بالحجارة وظل يهرول بين السيارات المسرعة والتي توقفت في شارة المرور، قبل ان يبدو عليه التعب والاجهاد وتملكته حالة هستيرية. وطبقا لشهود عيان فإن الرجل حاول الاعتداء على المارة وظل يحصبهم بالحجارة والقوارير الفارغة ولم تتمكن طالبات كن يقصدن كلية التمريض جامعة الخرطوم التي تقع في شارع المك نمر من الدخول اليها الا بعد الاستنجاد بالمارة وطلب حمايتهن من المعتوه الذي كان يطارد الجميع بالسباب والحجارة وظل طليقا طيلة ساعات النهار ورصدت "الصحافة" اكثر من 50 متسولا في المنطقة التي تقع بين موقف جاكسون وشارع السيد عبدالرحمن وشارع الحرية الخرطوم معظمهم من الاطفال والنساء وبعض كبار السن، وكان لافتا اصابة سيدتين بمرض الجزام حيث بدت اطرافهن المتآكلة واضحة للعيان واجتهدن في عرض اوان فارغة لاستدرار عطف المارة بحجة سداد كلفة علاج او اطعام ابنائهن، بينما استعان شيخ سبعيني بدا عليه العمى، بطفل صغير لانتزاع المال من المارة وحسب خبير اجتماعي ل"الصحافة "، فإن نسبة التسول قفزت في الآونة الاخيرة الى نسب عالية ربما تصعب السيطرة عليها وقلل من نجاعة الاجراءات الحكومية المبذولة لمكافحة التشرد والتسول وتابع " من الواضح انه كلما اشتدت الحروب في الاطراف ضجت الخرطوم بالمتسولين". ومع بداية ساعات الليل يغادر المتسولون الى وجهات غير معلومة على ان يعاودوا في الصباح الباكر بحسب متعاملين في الاسواق التي ينشط فيها المتسولون لكنهم يقولون انه على الارجح ان هؤلاء المتسولين يتخذون من الاحياء الطرفية بولاية الخرطوم مقرا لهم خاصة مع تمدد الاحياء الطرفية وتكوين مناطق اشبه بالحزام حول الولاية لجهة انخفاض اسعار السكن في الاطراف بالرغم من شح الخدمات الاساسية. ورصدت "الصحافة" تدفقات هائلة للمتسولين في ساعات الصباح بالقرب من موقف جاسكون ويتردد انهم يفضلون استقلال مركبات كبيرة للوصول الى وسط الخرطوم. وقال رجل سبعيني ان معظم المتسولين يأتون من الاحياء الطرفية التي لن تجد فيها مايسد رمقك سوى الاتجاه الى انجاز الاعمال الشاقة او التسول. ويحاول المتسولون سرد معاناتهم من خلال استخراج روشتات علاجية لاثبات حاجتهم الماسة للمال ولا تجد بعض الامهات حرجا من الدفع باطفالهن للالحاح على المارة والمتسوقين ومطاردتهم حتى داخل المركبات العامة او الانتظار في شارات المرور والاندفاع الى قارعة الطريق لحظة توقف السيارات خاصة تلك الفارهة منها ، بينما ينظف بعض الصبية الزجاج الخارجي للسيارات ويطلبون حوالي 50 قرشا نظير خدمتهم التي لا تستغرق بضع ثوان تكون كفيلة بإنارة الشارة الخضراء وانطلاق المركبات. ولم تجد سيدة خمسينية مفرا من ان تفرش لطفلتها جزءا من اطراف ثياب تتدثر بها على الرصيف حينما غلبها النوم في ساعة متأخرة من الليل بالقرب من تقاطع شارع السيد عبد الرحمن مع شارع الحرية، بينما تتخذ أسرة متشردة مسكنا في العراء على جنبات محل تجاري مغلق انشأته محلية الخرطوم لبيع السلع الاستهلاكية بأسعار مخفضة بالقرب من مدارس كمبوني، وافترشت الجماعة التي بدا عليها الترابط الازلي مساطب مخصصة لبيع الخضروات مكانا للنوم ولعب الورق في ساعات النهار وهي جماعة تتكون من 10 اشخاص بينهم سيدتان تحملان طفلتين صغيرتين ويعتمدون على مخلفات المطاعم ومكب النفايات من اجل الحصول على الطعام. وروى احد المتشردين ل"الصحافة" بعد الحاح شديد ان الجماعة التي تقيم تربطها اواصر قوية وهي مستعدة تماما للدفاع عن افرادها ضد اي مخاطر تحدق بها لكنه قال ان الحصول على الطعام يعتبر واجبا فرديا وليست للجماعة المتشردة شأن في توفيره وتابع " يجب ان تكد طويلا كي توفر لنفسك وجبة وسيجارة " وحينما وجهت له سؤالا عما اذا كان يعني بالكد العمل الشاق قال " نحاول استدرار عطف المارة او الحصول على بقايا الطعام من المطاعم ومكب النفايات ". وقال خبير اجتماعي يعمل في مؤسسة اجتماعية، طلب عدم نشر اسمه، ان نسب التشرد والتسول قفزت في الآونة الاخيرة الى نسب عالية ربما تصعب السيطرة عليها مع مرور الوقت لأنه ليس واثقا من الاجراءات الحكومية المبذولة لمكافحة التشرد والتسول، قائلا ان الاموال المخصصة للمؤسسات الاجتماعية ضئيلة ولا تفي باعداد مراكز الايواء والتأهيل الاجتماعي ودمج الاطفال في المجتمعات لكن مجلس الطفولة والامومة اشار الى ان الجهات المختصة تمكنت من دمج نحو ثلاثين طفلا في عائلات آمنة ومستقرة وهو ما يعتبره الخبير الاجتماعي ارقاما متواضعة مقارنة مع نسب الاطفال المتشردين. ولم يتسنَّ ل"الصحافة" الحصول على افادات رسمية بشأن اوضاع المتسولين والأطفال المشردين.