عندما تكون هنالك مشكلة ناتجة من محدودية الموارد بالمقارنة مع تعدُّد المتطلبات، وتصبح (الندرة) هي العامل المسيطر، تكون كل الخيارات المطروحة لها إيجابيات وسلبيات، مثل (الغطاء القصير) الذي إذا غطيت قدميك انكشف رأسك، وإذا غطيت رأسك انكشفت قدماك، ومن الواضح أن غطاءنا بعد خروج جزء كبير من عائدات النفط من الموازنة قد صار قصيرًا.. وعليه كان خيار زيادة أسعار المحروقات مطروحاً للمناقشة، وبحمد الله قد تم استبعاد هذا الخيار؛ لأنه في قناعتي الأسوأ، إذ سيكون (كارثياً) على المواطن. تبقى الخيارات الأخرى كلها أفضل من ذلك الخيار الذي تم استبعاده، وفي قناعتي أن الانضباط في الصرف الحكومي والتقشف والمتابعة اللصيقة لمنصرفات مختلف المؤسسات الرسمية من شأنه أن يكون عاملاً إيجابياً لصالح المساهمة في سد الكثير من ثغرات الموازنة، كما أن إيقاف المباني الحكومية (لفترة محدودة) حتى يتم تجاوز الظرف الراهن من شأنه أيضاً أن يساعد في تخفيف الأزمة.. وهنالك ضرورة التشديد في مكافحة التهريب والتهرب الضريبي وضروة مواجهة استغلال مشكلة الندرة في العملات الحرة من قبَل البعض لتحقيق أرباح تزيد الأثرياء ثراءً، إذ تعتبر عوامل مهمة لمعالجة المشكلة. وفوق هذا وذاك فإن زيادة صادرات البلاد غير النفطية وبخاصة الصادرات الزراعية، وما يستتبع ذلك من اهتمام بالتقانة الزراعية لزيادة الإنتاج والإنتاجية، من شأنه يكون حلاً للكثير من مشكلاتنا الاقتصادية، فهنالك اليوم الكثير من الحديث عن الاهتمام بالتقانة الزراعية وزيادة الإنتاج الزراعي ولكن على صعيد الواقع ما زالت المسافة كبيرة بين المطبق فعلياً وبين الممكن أو المفترض تطبيقه. فزيادة الإنتاج الزراعي رأسيًا، بمعنى زيادة إنتاجية الفدان ليبلغ المستوى العالمي، من شأنه أن يجعل الزراعة مربحة (جدًا) للمواطن والوطن، وما زالت تشغل «بالي» الإجابة عن السؤال: (إذا كان الفدان من نفس المحصول يعطي ثلاثة قناطير في السودان بينما يعطي 25 قنطاراً في أمريكا فلماذا لا نستجلب تلك التقانة الزراعية ونعمل على توطينها في السودان بغرض تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الإنتاجية ومن ثم زيادة صادراتنا غير النفطية بأضعاف ما هي عليه الآن؟ وإذا كانت بلدًا صغيرًا مثل تونس تصدر في العام ما قيمته سبعة أضعاف ما يصدره السودان وهو البلد الأول في الثروة الحيوانية في الوطن العربي من الجلود.. أليست تلك هي المفارقة المحيِّرة بعينها؟).