شهدت المنطقة العربية تحولات ديمقراطية واجتماعية كثير، خاصة النجاحات التي حققتها موجة التغيير في بعض الدول العربية بسبب الأزمات الاقتصادية. وتظل التحديات الاقتصادية في تحقيق مستوى المعيشة وتوفير الغذاء أولوية للدول العربية، كما أن أزمة الغذاء في المنطقة العربية والعوامل المؤثرة فيها تعتبر أسباباً متعددة ومتشعبة تختلف حسب طبيعة الدول من حيث ثقلها السكاني، والامر ليس في عدم محدودية الموارد الطبيعية والمالية، أو عدم نجاح الهياكل الإدارية والتنظيمية في الدول، إنما في عدم الاهتمام بالزراعة ضمن مخططات التنمية المباشرة في الإنتاج والإنتاجية. ولعل من أهم أسباب العجز الغذائي العربي الخطط والاستراتيجيات التي ظلت حبيسة التوصيات. وفي ذات الاتجاه نظمت الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي أمس ملتقى الاستثمار الثاني حول فرص تحقيق الأمن الغذائي في الدول العربية برعاية نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، حيث أكد ممثل الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي أسعد مصطفى أن العجز الغذائي في الدول العربية يتفاقم، ويتزايد الطلب على السلع الغذائية دون زيادة في الانتاج، مبيناً أن الاستراتيجيات والخطط لتطبيق هذا البرنامج باءت بالفشل، مؤكداً أن العجز في الميزان التجاري الزراعي العربي ارتفع من 23 مليار دولار إلى 46 مليار دولار في عام 2009م، مشيراً إلى أن نسبة تغطية الصادرات للواردات الزراعية تمثل 30%. وأضاف أن الفجوة في السلع الغذائية الرئيسة ارتفعت من 14 مليار دولار إلى 41 مليار دولار في عام 2008م، وقد تراجعت قيمة الفجوة إلى 38 مليار دولار بسبب تراجع أسعار السلع، فيما أقرَّ أسعد بفشل المشروع الطارئ للأمن الغذائي ومشروع الأمن المائي العربي لعدم تنفيذ السياسات. وأشار إلى أن الحلول في مواجهة العجز الغذائي تتم من خلال تطبيق خطة عاجلة لتنمية الموارد المائية وإعطاء القطاع الزراعي أهمية من الدولة، بجانب إعطاء ميزات تفضيلية فعلية لتشجيع الاستثمار الزراعي، إضافة الى بناء قاعدة بحثية زراعية متطورة تساعد الدول العربية علي استخدام التقانات الحديثة. ورهن تحقيق الأمن الغذائي بتوفير الإرادة لتحقيق التنمية. ومن جانبه قال رئيس الهيئة العربية للاستثمار والانماء الزراعي علي بن سعيد الشرهان إن ضعف البنية التحتية لمشاريع الانتاج الزراعي وعدم تطبيق التقانات العلمية في تطوير الإنتاج الزراعي أدى إلى تفاقم واتساع الفجوة الغذائية المتمثلة في تراجع قدرة إنتاج الوطن العربي من السلع الغذائية الضرورية، حتى أصبحت قيمة فاتورة المشتريات الخارجية 37 مليار دولار سنوياً، مبيناً أن تراجع الاستثمار المالي في المجال الزراعي بنسبة 9%، الأمر الذي أدى إلى تهميش المشروعات المتوسطة، وطالب علي بضرورة توفير مدخلات الانتاج وإشراك القطاع الخاص في علاج ارتفاع مخاطر الاستثمار الزراعي، بجانب توطين التقانة الحديثة متمثلة في تطوير أساليب الإنتاج والتصنيع الزراعي وتفعيل مراكز الأبحاث. وفي السياق ذاته طالب الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل السوداني بكري يوسف، بتفعيل دور القطاع الخاص العربي وتعزيز استثماراته في السودان، لمساهمة في تحديث الزراعة والأمن الغذائي، وأضاف قائلاً إنه لا بد من اعتماد استراتيجية جديدة تحقق الارتقاء بالإنتاجية في التصنيع الزراعي، بجانب تحديث شبكات النقل، وأشار إلى ضرورة إزالة المعوقات التي تواجه التجارة العربية. وطالب بكري بزيادة مخصصات القطاع الزراعي في الموازنات العامة. ومن هنا يتضح لنا أن الإشكالية ليست في وضع حلول جديدة لأزمة الغذاء العربي، لكن في كيفية تفعيل الحلول المزمنة التي ترقد في أضابير المؤسسات العربية.