جابر عبد الحميد- إعلامي سوداني وباحث ربما أعرف أين ستحتفل برأس السنة هذا العام، ليس رجمًا بالغيب ولا عملاً بالكهانة ولكن الإجابة عن هذا السؤال سهلة جدًا، أحتاج فقط إلى التعرف على طبيعة مزاجك وميولك وربما إمكاناتك ... فإن كنت ممن يحبون العشوائية والغوغائية فستفضل الذهاب إلى مكان مفتوحٍ متفق عليه بين الناس، حيث يختلط هناك الحابل بالنابل، وتشاهد هناك أطباقًا متطايرة من البيض يتقاذفها مجموعة من المهووسين يمكن للواحدة منها وبكل سهولة أن ترتطم برأس أحدهم حتى تضع بصمتها هناك وسيكون الأمر أحلى لو كان أصلع الرأس فحينها سيكون محبوب هؤلاء المهووسين وهدفهم ومحل نظرهم، أو تشاهد مجموعة من «البترينات» المتحركة المزينة بالألوان والبهارج والأضواء، هذا هو الدور الذي تلعبه النساء والفتيات هناك، مع فارق بسيط بينهن وبين البترينة وهو أن البترينة محروسة ولها من يحميها، وستستمع أيضًا إلى مجموعة من الصراخات والصفير الذي يضج به المكان، مع مجموعة أخرى من الناس لم يصل إيمانهم إلى درجة الصراخ والصفير بأفواههم وألسنتهم، فافتدوا أنفسهم بأبواق سياراتهم، مع اتفاق الطرفين على ضرورة الإزعاج، ربما تكون ممن يحبون القاذورات والأوساخ والأشياء المقززة، أيضًا ستجد هناك من يتقاذفونها ويتراشقون بها، طبعًا قصدهم طيب، فقط ... المزاح والابتهاج. إذا صعدت على إحدى العمارات هناك فسيخيل إليك أنك تطالع لوحة رسمتها أنامل طفل صغير لا يعرف الفرق بين اللون الأحمر والبطاطا والأسفلت والمعجون والبطيخ. أما إن كنت ممن يحبون العزلة والمكث في البيت فقطعًا ستعمل على إحضار تورتة كبيرة تحتوي على عدد من المكسرات، مزدانة بأحلى الألوان وأشهى الكريمات إضافة إلى الشموع المتراصة والأشواك والسكاكين لكن لا تنس أن تطفئ الأنوار للاستمتاع بإطفاء الشموع حتى تطبق اللعبة كما جاءتك. إذا كنت ممن يحبون الحفلات والهتافات المصاحبة لها وكثرة الازدحام والتصفيق والرقص والاختلاط وتبادل النظر، كل هذا تريده في مكان واحد، فستتجه فورًا إلى تلك الأندية الصاخبة التي سخرت كل أموالها وإمكاناتها لاستنزاف أموالك وقتل روحك وسلب عقلك، عفوًا لإرضاء ذوقك وإدخال البسمة والفرحة والبهجة والسرور وكل معاني السعادة عليك. إن قلت لا كل هذا لا يعجبني، ولا تروقني كل هذه الأمور فإنك حتمًا ستعمل على تلبية النداءات والاستجابة للإعلانات والمفاجآت التي تطلقها الفنادق السياحية الكبرى والمؤسسات التجارية الضخمة والأماكن المغلقة والمخصصة للأشخاص المهمين (VIPs). طبعًا أنا أعطيك كل هذه الفرضيات باعتبار أنك لست من أرباب المال ولا رجالات الأعمال، وإلا فالوضع حينها سيختلف، وحينها مالك والتقليد والأصل موجود، ومالك والفضة والذهب متوفر، اقصد البحر وخل القنوات، ما عليك إلا أن تعمد إلى إحدى وكالات السفر لتحجز مكانًا لك ولأسرتك وكل أفراد عائلتك «حسب الاستطاعة» في كبريات الفنادق العالمية في أوروبا حتى ترى الاحتفال على أصوله، سترى هناك أناسًا يتراقصون ويتلاعبون ويتهافتون، ولكن انتبه!! إنهم لا يفعلون ذلك تقليدًا ولا محاكاةً، وإنما عن خلفية أيدولوجية وأرضية عقدية تجعل حركاتهم وسلوكياتهم متجانسة معها. هذه أبرز الأمزجة والأهواء التي تحدد المكان أو الأجواء التي تناسبك لتحتفل فيها برأس السنة. بقي افتراض أخير، وهو أن كل ما سبق لا يعجبك البتة ولا يروق لك وأن كل ما يشغلك في رأس السنة، هو «الإجازة» التي تمنحك فرصة قوية لأخذ قدر كاف من الراحة والنوم ولا يهمك بعدها ما يحدث حولك. أمر أخير جدًا وهذا لعمري لا يوافقه إلا النزر القليل، وقد أخّرته لقلة أهله وندرة أصحابه. إن هذا القليل لا تستهويه هذه الأمور كلها بل لا يستهويه ما يستثيرها، ما رأسُ السنة وما ذيلُها؟ وعن أي سنة أتحدث؟ أأتحدث عن سنة الأمجاد والعزة، والبراءة من الكفر والشرك بالله عز وجل؟ وعن تاريخ الأمة التي ما فتئت تصنع الرجال وتقدم الفرسان، أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟!، أم أتحدث عن سَنَةِ تمجيدالصلبان وعبادة الأوثان، أأتحدث عن سنةٍ بدأ التأريخَ بها فاروقُ الحق والباطل إمام المسلمين وأمير المؤمنين وتبعه من بعده الأئمة الأعلام، أم أتحدث عن تأريخ بئيس اختلقه قساوسة النصارى ورهبانهم، خلطوا فيه الحقائق كلها حقَّها مع باطِلها وزوَّروا لأنفسهم تاريخًا ومجدًا لبسوه على أعناقهم كذبًا وبهتانًا. إن كنت من هؤلاء القليل فكأني بك تقول لي رويدك!! عن أي شيء تتحدث؟! إن الأمزجة التي ذكرتها ليس يعنيني واحدٌ منها البتة، ولا تحكمني الأمزجة أصلاً، إنما أنا مسلم أعرف ديني وأعتز به، ولا أرضى أن أكون ذنبًا كمَثَلِ الذي ينعِقُ بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، إنني لا آنف عن هذا فحسب وإنما يحترق الحشا عندي لأولئك الذين ذكرتُهم من المليارات التي سلَّمت رقابها لحثالة البشرية، فتراهم يسيرون بسيرهم ويمشون بمشيهم ويحتفلون بطريقتهم ويأكلون بأكلهم ويعجبون برأيهم ويباهون بعلمهم وفكرهم وحضارتهم وتطورهم وهلم سحبًا، إن شاؤوا أن يحتفلوا فهم قدوتهم وإن شاؤوا أن يفرحوا فهم أسوتهم، إن قاموا قاموا وإن قعدوا قعدوا وإن رقصوا رقصوا وإن تاهوا تاهوا ولو دخلوا جحر ضبٍ، كما قال حبي عليه الصلاة والسلام دخلوا وراءهم، أمةٌ أَبَتْ إلا أن تقتات على فتات غيرها، إن العار كلَّ العار أن يرقص الإنسان أو يطرب أو يفرح وهو لا يدري لماذا ومتى وكيف؟! وأنى له؟!!، هو فقط عبدُ لحظته وأسيرُ شهوته ورهينُ نزوته. إن كنت من هذا النوع فلا أملك إلا أن أطأطئ رأسي خجلاً وإجلالاً واحترامًا لك، وأعتذر لك من كل قلبي عن طرحي لهذا السؤال، وبأمثالك تسود الأمة وترتفع رايتها وتعود كرامتها فلك العتبى حتى ترضى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.