أحياناً تبني المواقف نفسها بطريقة دراماتيكية دون أن يكون لك يد في توجيهها. ومن بين تلك المواقف ما حدث لي ذات يوم عندما كنت أسكن منزلاً في كلية الزراعة بشمبات. اليوم يوم جمعة.. والوقت عصرية وأنا قد شرعت في غسل عربتي الفيات 1100 عندما وقفت عربة بيجو 404 أمام المدخل وأطل منها أحد الاشخاص وهو يسأل: يا أخ بالله دكتور خالد موجود؟ أجبت : لا .. دكتور خالد مافي.. مشى وين؟ أفتكر مشى بحري لأنه قال ماشي يزور أهله في حلة حمد.. إنت بتعرف بيت أهله في حلة حمد؟ أجبت: ماشفت بيتهم في حلة حمد.. وصمت الرجل برهة وهو يفكر ثم قال: أسمع لما تنتهي من غسيل العربية دي ممكن تغسل لي عربيتي؟ وبالطبع لم أكن أتوقع ذلك السؤال إلا أنني أجبته: ممكن بس إنت استعدل العربية ودخلها بي هنا. واستعدل الأخ عربته وأوقفها بالقرب من عربتي ثم ترجل منها وفي هذه الأثناء كنت قد أحضرت له كرسياً ومشروباًً بارداً شكرني عليه ثم أخذ يتجاذب معي أطراف الحديث ويسألني عن الدكتور خالد ومتى عاد من بريطانبا وما إذا كان قد بدأ الشغل في الجامعة وما إلى ذلك. اجتهدت تماماً في غسيل العربة وقد أخرجت القطع التي بداخلها ونفضت عنها الغبار ووجهت لها خرطوش الماء فأصبحت تلمع.. طيلة هذا الوقت كان يشغل ذهني هاجس واحد وهو كيف ستنتهي هذه القصة فقد كنت متشوقاً جداً لمعرفة نهايتها.. والآن وقد اكتمل غسيل العربة بعد أن نشفت الماء عن الزجاج نهض الرجل ثم أدخل يده في جيبه ودفع في يدي بورقة من فئة الخمسة والعشرين قرشاً.. فسحبت يدي وأنا أعتذر عن قبولها إلا أن الرجل كان مصراً وكنت أيضاً من جانبي أكثر إصراراً على عدم أخذها عندما قال لي: يا أخي ماتخجل أنا وخالد أخوان وبعدين دا حقك.. فقلت له: وبرضو أنا وخالد أخوان.. والموضوع ما فيهو حاجة يا أخي. ويده نصف ممدودة ونصف متوقفة قال: ليه إنت ساكن مع دكتور خالد؟ الحقيقة دكتور خالد ساكن معاي.. واصفرّ لون الرجل وظهر عليه الارتباك فقال: يا أخي What a Mistake «يا لها من غلطة» فقلت : Mistake بتاعة شنو؟ وقال وهو يغالب موجة من الارتباك: ليه يا أخي ما كلمتني؟ أكلمك أقول ليك شنو؟ إنت لقيتني بغسل في عربيتي وقلت لي غسل لي عربيتي معاك.. فيها شنو يعني؟ حاجة عادية جداً. ولكن الرجل لم يستطع أن يبلع حكاية حاجة عادية جداً لأنه متأكد أن الموضوع غير عادي ولذلك تسمر في مكانه وهو يردد: أنا متأسف يا أخي الحقيقة غلطة كبيرة أرجوك تسامحني.. قلت وأنا أهون عليه الموضوع: يا أخي مافي أي غلطة والموضوع بسيط جداً.. مافي حاجة.. أنا الحقيقة دي جيتي من مشروع الجزيرة وما عندي فكرة.. فكرة بتاعة شنو؟ يعني إنك ساكن هنا.. يا خوي مافي حاجة.. صدقني الموضوع عادي جداً.. وأخذت أشعر ببوادر توتر وارتباك تتسلل لي وعندها تظاهرت بأنني أود أن أدخل الخرطوش داخل المنزل عندما سمعت صوت العربة وبداخلها الأخ وقد رجع إلى الخلف ثم اختفى وسط أحراش شمبات.