أعلنت شرطة ولاية الخرطوم يوم الأحد الفائت احتواءها أحداث شغب وصفتها بالمحدودة قام بها بعض طلاب جامعة الخرطوم، وتم توقيف «32» منهم وفتحت بلاغات في مواجهتهم بحجة شرعوهم في إثارة الفوضى والخروج للشارع، حيث بدأوا في حصب الشرطة والسيَّارات بالحجارة. وقالت الشرطة على لسان مدير دائرة الجنايات بشرطة الولاية اللواء محمد أحمد علي، إنها تمكنت من السيطرة على الموقف في زمن وجيز دون أية خسائر أو إصابات، فيما قامت بفتح بلاغات في مواجهة «32» طالباً، وبعد التحري تم إطلاق سراحهم بالضمانة العادية. من تصريحات الشرطة يبدو أن ما حدث شيء أقرب للبسيط والعادي جداً، لكن عند مقارنته بتصريحات الجامعة يبدو مختلفاً البتة، وتلاحظ فيه اتجاهه في مسارات أخرى مختلفة تماماً مع رؤية الشرطة، عندما كشفت إدارة جامعة الخرطوم في بيان لها، دخول الشرطة في الحرم الجامعي دون طلب أو مشاورات معها، وتعهدت بعدم السماح للشرطة بتكرار فعلتها مَرةً أخرى، وهنا يبز الموقف المربك الذي أدى لتدخل طرف ثالث هو اتحاد طلاب ولاية الخرطوم عندما أعلن رئيسه خالد عبد الله أبو سن عن رفع مذكرة إلى الرئيس عمر البشير على خلفية اقتحام الشرطة مباني الجامعة. واستنكر في مؤتمر صحفي اقتحام قوات الشرطة حرم الجامعة، ووصفه بأنه سلوك غير مبرر، وقال إن الاتحاد سيقف مع قضايا الطلاب العادلة، وأعلن تكليفهم مستشاراً قانونياً لمتابعة قضايا زملائه ضد الشرطة، وأوضح أن المذكرة تحوي شكوى بشأن تعرض الطلاب إلى اعتداء وخسائر من قبل الشرطة التي طالبها بالاعتذار، بينما عادت الشرطة على لسان مدير دائرة الجنايات بالخرطوم، متهمة جهات سياسية لم تسمها بالوقوف وراء الأحداث، وأكدت استعدادها لمكافحة أيِّ شغب يحدث بالولاية. وقالت للمركز السوداني للخدمات الصحفية أمس، إنّ أيِّ حراك يحدث داخل الجامعات وراءه دعم ودفع من الأحزاب السياسية المعارضة. وسط تلك التصريحات التي تنطلق هنا وهناك، كانت إدارة الجامعة تؤكد هدوء الأحوال بالجامعة وفي ذات الوقت تعهدت بمواصلة الدراسة، الى أن أصدر مدير الجامعة مساء يوم الخميس الماضي قراراً مفاجئاً أعلن فيه تعطيل الدراسة بالجامعة. الملاحظ أن كل الطرفين أخطأ، فبدءاً كان دخول الشرطة للجامعة خطأً فادحاً انتقده مدير جامعة الخرطوم بروفيسور صديق حياتي، بجانب أن تمسك الشرطة بعدم الاعتذار ولو بشكل دبلوماسي أدى إلى هذه النتيجة، كما أن فشل إدارة الجامعة في خلق جو متماسك داخل الجامعة قادها إلى اتخاذ قرار فيه كثير من الرعونة، لجهة أن الجامعة بفعلتها هذه ستصدر العنف إلى الجامعات الأخرى، فالطلاب السياسيون الذين يتحدثون في أركان النقاش سينقلون سجالهم إلى الجامعات الأخرى، ومنذ اليوم سنجد طلاب الخرطوم في جامعتى النيلين والسودان، خاصة أن هناك عاملاً آخر يحفز المعارضة على الاستثمار في هذا الجو، هو «نواح» بعض طلاب العدل والمساواة وبقية حركات دارفور على مقتل خليل، وكان نتاجه وقوع أحداث عنف بجامعة السودان يوم الأربعاء الماضي، هي الأخطر من نوعها، وأعطت انطباعاً بأن الخطر القادم سينطلق من داخل أسوار الجامعات، نتيجة لاستخدام طلاب جامعة السودان قذائف الملتوف والسلاح الأبيض وضرب الرصاص من مسدسات داخل حرم الجامعة. والأمر الغريب في ما جرى هو وقوف الحكومة موقف المتفرج، بدليل تركها الشرطة تتحدث عن جوانب سياسية، علاوة على تباطئها في إيجاد معالجات سريعة، خاصة عقب تهور رئيس اتحاد طلاب الخرطوم خالد أبو سن ومطالبته للشرطة بالاعتذار، مستبقاً بذلك خطوة طبيعية كان يفترض أن يقوم بها، وهي محاولة الجلوس مع قيادة الشرطة للتباحث في ما جرى والاستماع لرؤيتها، بدلاً من مطالبتها الاعتذار بأسلوب أقرب ما يكون للهجة الأمر، خاصة أنه اتهم الشرطة صراحةً بالسرقة عندما قال إن الطلاب تعرضوا لخسائر بواسطة الشرطة، وبعض المصادر الإعلامية تتحدث عن تعرض بعض الطلاب لخسائر تتمثل في فقدانهم هواتف وكمبيوترات محمولة!! وكثير من الاحداث تتطور وتتفاقم بمثل هذا العناد وعدم لامبالاة، وربما بغباء ومن أسباب تافهة مثلما حدث في تونس عندما صفعت فتاة الشاب بوعزيزي، وقام الأخير وبكل حماقة بحرق نفسه، ومن ثم كانت الثورة التونسية التي تلاها انفجار الغضب العربي في وجه طغاة عرب. ولكن على المؤتمر الوطني بوصفه حزباً حاكماً أن يخجل، بل يتبرأ من أمانة بداخله تسمى الطلاب.