من الوهلة الأولى قد لا يختلف اثنان على أن الإجابة عن هذا السؤال تكمُن في مؤتمر الخريجين والزعيم إسماعيل الأزهري وذلك لما لعبه المؤتمر من دور كبير وفعّال لتحقيق الاستقلال، ولكن هنالك من يختلف ويرى غير ذلك في «من صنع الاستقلال» ويرى أن جملة من المكونات والتأثيرات هي التي صنعت وحققت الاستقلال، وليس هنالك مكون بعينه يعتبر له الفضل في تحقيق استقلال السودان الذي أصبح هدفًا أساسيًا منذ دخول المستعمر، وذلك ما ذهب إليه الوزير الأسبق البروفيسور حسين سليمان أبو صالح أن الشعب السوداني بجميع مكوناته هو الذي ساهم في صناعة وتحقيق الاستقلال ولا يمكن حصره في مؤتمر الخريجين، فقد كانت هنالك حركات وطنية وأدبية وشعبية كثيرة ساهمت ولها دور واسع في تحقيق الاستقلال، ويتَّفق معه اللواء والخبير الإستراتيجي عباس إبراهيم الذي قال: إن النواة الحقيقية التي وقفت ضد الاستعمار كانت حركة اللواء الأبيض التي تكوَّنت في العام 1924 وفي يونيو من نفس العام الذي كونت فيه الجمعية قامت التظاهرات في أم درمانوالخرطوم يتزعمها أعضاء جمعية اللواء الأبيض بقيادة الضابط علي عبد اللطيف، وقد عمّت تلك المظاهرات كل مدن السودان وقد قابلتها الإدارة البريطانية بالقهر، إلا أن أخطر سمات تلك المظاهرات هي المظاهرات العسكرية، ففي صباح التاسع من أغسطس 1924م بدلاً من أن يصطف طلاب المدرسة الحربية لطابور الرياضة البدنية، اصطفوا في طابور بيادة جنباً سلاح بالذخيرة رافضين إطاعة أوامر الضباط الإنجليز وجابوا شوارع الخرطوم حيث ذهبوا إلى منزل علي عبد اللطيف، ثم زاروه في معتقله في سجن بحري وحيّوه بسلام سلاح إجلالاً وتقديراً له ولجمعية اللواء الأبيض، وهذا يشير إلى أن تلك المظاهرات التي قام بها طلاب المدرسة الحربية آنذاك كانت «ردة فعل» لما يجري في الشارع السوداني الشيء الذي أدى إلى «قفل» المدرسة الحربية وسجن قادة التمرد. ويضيف اللواء عباس: في الثلاثينيات كانت هنالك محاولات فردية خاصة من الخريجين الذين درسوا في مصر وجاءت فكرة الخريجين والذين معظمهم من خريجي كلية غردون وكان العمل يسير بسرية تامة حتى كان اسم السودان يرمز له ب «عازة» وذلك للسرية التي تتطلّب ذلك. وقد شهدت الحركة السياسية في السودان حراكًا كثيفًا عقب انتهاء الحرب العالمية الأمر الذي أدى إلى اتجاه قادة العمل الوطني للعمل السري ضد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري فتكونت الجمعيات السرية، وكانت جمعية الاتحاد السوداني أول جمعية سرية وقد نظمت تنظيماً دقيقًا على طريقة الخلايا بحيث لا تزيد كل خلية عن خمسة أشخاص، ثم جاءت ثورة ود حبوبة في الجزيرة.. ثم الكفاح عبر الجمعيات الأدبية والأندية الرياضية.. ثم مؤتمر الخريجين بأهدافه المعروفة والذي انبعثت فكرته من الجمعية الأدبية بود مدني عام 1937م، ومن أبرز أعمال المؤتمر المذكرة السياسية الشهيرة التي قدمها للحكومة عام 1942 وضمنها مطالب وطنية مهمة قد جاء رد الإنجليز عليها (في حالة أن المؤتمر لا يسعى للحصول على اعتراف رسمي به كهيئة سياسية أو يدعي لنفسه تمثيلا لغير أعضائه، واقتصاره على الأعمال الخيرية والشؤون العامة، فإن الحكومة ترحب باستلام المكاتبات الرسمية التي تصلها منه.. وستجد كافة الاهتمام والعناية بالبحث والرد عيها)، وكان هذا الرد كافيًا للعمل أكثر على الخلاص من المستعمر وذلك لما فيه من رفض واضح لأي عمل سياسي. وعلى صعيد الجمعيات التي انتشرت وكثرت في ذلك الوقت تكونت العديد من الجمعيات أشهرها جمعية أبو روف والهاشماب وبدأت جمعيات ثقافية فيها عمل سياسي المجلات والصحف وأهمها مجلة الفجر وكان من أهم كتّابها محمد أحمد محجوب ويوسف التني ومحمد خير.