أدارت الخرطوم ظهرها لطريقة التعامل التي ظلت قائمة بينها وبين جوبا منذ انفصال الجنوب، واتجهت للتنقيب عن استراتيجية للتعامل مع الدولة الوليدة، لتعلن الحكومة رسمياً وضع استراتيجية جديدة وسط استمرار تدفق المياه الساخنة من شلالات الخلافات على العلاقات ومساراتها. وكشف وزير الخارجية علي كرتي عقب لقائه برئيس الجمهورية أمس الأول عن رؤية للحكومة لوضع استراتيجية جديدة محددة للتعامل مع دولة جنوب السودان، وسيتم طرحها على عدة جهات في الدولة للاتفاق عليها. وقال كرتي: «بعد مناقشة الاستراتيجية مع الجهات المختصة والاتفاق عليها بوصفها استراتيجية نهائية سيتم تخصيص جلسة للتداول بشأنها مع الرئيس». وفي المقابل يوضح الناطق باسم الخارجية السفير العبيد مروح، أن الاستراتيجية بخصوصيتها غير معنيَّة بها الخارجية لوحدها، وتشمل جهات كثيرة مثل الدفاع وجهاز الأمن والمالية وبنك السودان ومؤسسات أخرى بالدولة. ويضيف في حديث ل «الإنتباهة» أمس أن الوقائع التي تحدث الآن معنيَّة بها كل الأطراف السابقة، مما يشير إلى اصطحاب وجهة نظرها في رسم الاستراتيجية. ويلفت إلى أن وزير الخارجية طرح الملامح العامة للاستراتيجية تمهيداً لمشاركة الأطراف السابقة في مناقشتها للالتئام لاحقاً على اتفاق بشأنها بشكل نهائي، متوقعاً أن تشمل استكمال العمل الدبلوماسي بتسمية سفيري البلدين. ويرى مروح أن تسمية سفير تخدم المرحلة المقبلة بغية إدارة الملفات والعلاقات الثنائية، ويمضي قائلاً: «أرى أن عمل السفارة مؤشر إيجابي للتعامل مع جوبا مستقبلاً»، لكنه يجزم على الجانب الآخر أن السفارات لوحدها لن تقدم الحلول بمعزل عن استراتيجية كاملة. ويعتقد مروح أن الإعلام بإمكانه لعب دور إيجابي أو سلبي في العلاقة بين البلدين والتأثير على استراتيجية التعامل. وعلى جانب موازٍ رسم المراقب الدبلوماسي والمحلل السياسي ديفيد شان صورة قاتمة لتعاطي جوبا مستقبلاً مع الاستراتيجية التي أعلنت الخرطوم الشروع في نقشها على جدار العلاقة والتعامل، ويتخذ شان في إجاباته على أسئلة «الإنتباهة» ارتهان جوبا لأجندة غربية مبدأً لتحليل موقف جوبا في التعامل مع الاستراتيجية الخاصة للخرطوم. ويرى في حديث من جوبا عبر الهاتف أمس، أن جوبا تعاني غياب الإدارة الاستراتيجية للتعامل مع الخرطوم، وترهن مبدأ التعاطي في كثير من الأمور والملفات بعلاقاتها مع دول الغرب خاصة امريكا وحلفائها. ويجزم أن جوبا تركن الآن لما سماه ب «نظرية التوتر الإيجابي» لنيل رضاء الغرب في التعامل مع الخرطوم المثقلة بالعقوبات وعدم الرضاء وإزالة الاعتقاد بتأييد السياسة الخرطومية. وينوِّه شان بأن استخدام تلك النظرية لن يخدم جوبا البتة، ويقول: «تفتقر هذه الاستراتيجية أو النظرية لسياسة المنهج السليم في مواجهة القضايا المشتركة»، ويردف قائلاً «جوبا أمرها غريب، وهي ليست في حاجة لذلك خاصة مع العقبة التي تقابلها الآن في كافة المناحي بعد الانفصال». ويصف شان جوبا بالافتقار إلى المهارة والدقة في المفاضلة بين البدائل الاستراتيجية لتقاطعات قال إنه ذكرها سابقاً. وفي سياق ذلك يذكر السكرتير التنفيدي السابق لمنظمة «إيقاد» السفير عطا الله حمد بشير في ورقة لاستقراء الرؤية الاستراتيجية للتعامل مع دولة الجنوب.. يذكر أن استنباط ملامح رؤية استراتيجية لمستقبل العلاقات والتعامل مع جوبا، يشمل تحليلاً موضوعياً للبيئة السياسية الداخلية والإقليمية، متفقاً بذلك مع حديث المحلل ديفيد شان. ويضيف في ورقته أن تداعيات الظروف والملابسات التي لازمت انفصال الجنوب وميلاد دولة جنوب السودان، جوانب أخرى لاستنباط الاستراتيجية.