دكتور كمال كيف وجدت منظمة «DKT» فرصتها للعمل بالسودان وتغلغلت بشكل واضح داخل مؤسسات القطاع الصحي في أنحاء السودان؟ ليست لدي تفاصيل عن هذا الملف، والذي أعرفه أن هذه المنظمة دخلت في اتفاقيات ثنائية مع بعض ولايات السودان، ومع جهة فنية داخل وزارة الصحة، وهذا في ظني هو المدخل الذي جاءت به الى السودان، وليست لدي تفاصيل أخرى، ولا أعتقد أني مؤهل للإدلاء بمزيد من المعلومات في هذه القضية. هل فعلاً الواقي الذكري يقلل نسبة الإصابة بالايدز؟ الواقي الذكري غير منتشر في الثقافة السودانية، وهي ثقافة نسبياً حديثة، وهو محصور في فئة معينة، ولكن استخدامه او توزيعه وسط طلاب الجامعات دون ضوابط معينة قد يكون له رسالة سالبة، والحقيقة أن في برنامج مكافحة الايدز في السودان تم استجلاب خمسة ملايين من هذا الواقي الذكري، ونحن في وزارة الصحة كانت لدينا تحفظات على توزيعه في الجامعات وغيرها من المؤسسات، لأنه كما ذكرت لك قد يرسل رسالة سالبة للشباب. انتشرت في المؤسسات الصحية ظاهرة استخدام جهاز (MVA) في عمليات الإجهاض.. ما هي فائدة هذا الجهاز وخطورته؟ هذا الجهاز أنا اعتبره مثل السكين التي تستخدم في المطبخ، ويمكن كذلك ان يكون اداة في جريمة قتل، ولهذا فإن استخدام هذا الجهاز للإجهاض في حالات تفريغ الرحم قد يكون مفيداً خاصة بعد التدريب الكافي على طريقة استخدامه، وربما يستخدم بطريقة خطأ في عمليات الإجهاض وغيرها من العمليات، ولذلك نظرتي له كما السكين. بماذا تنصح.. باستخدامه أم بغير ذلك بحكم طبيعة عملك في مجال الطب؟ المسألة في تقديري اكثر تعقيداً من ذلك، فأنت كأنما تسألني.. هل تصنع السكاكين ام لا تصنع.. فالإجابة عندي تصنع السكاكين ولكن تستخدم في ما صنعت له، وكما ذكرت فإن الجهاز يجب أن يوزع على المؤسسات الصحية وفق ضوابط واضحة وسليمة وبترخيص لأطباء محددين، حتى لا يستخدم من قبل آخرين في أنشطة محرمة. تجربتك في مستشفي الخرطوم كيف كانت؟ وهل عايشت أيضاً ظواهر صراعات؟ هذه الفترة كانت عبارة عن صراع مصغر لما يمكن أن يحدث في وزارة الصحة، وحينما توليت ادارة مستشفى الخرطوم قلت لرئيس مجلس الإدارة وهو الدكتور عمر سليمان ونائب المدير وهو عبد الله عبد الكريم وزير الصحة بولاية النيل الابيض الآن، قلت لهم من أول يوم أنا كنت مغترباً في انجلترا لفترة عشرين عاماً، وكنت اتقاضى أكثر من 20 ألف دولار في الشهر الواحد، والحمد لله جمعت من المال ما يكفيني، ولكن ربما يأتي شخص في يوم من الأيام ويزعم أن هذا المال هو نتاج عملي في مستشفى الخرطوم، ولذلك كتبت إقرار ذمة وهو الآن بحوزة الوزير عبد الله عبد الكريم والدكتور عمر سليمان رئيس مجلس الادارة آنذاك، وأوضحت فيه كل ما املك وما تملك زوجتي، وقلت لهم هذه شهادة للتاريخ، أرجو أن تشهدوا بها اذا حدث طارئ في يوم ما، وقلت لهم ايضاً لدي اخ يعمل في شركة للمعدات الطبية أنشئت سنة 1995م، وهي تتعامل مع جهات كثيرة. ولكني أطلب منكم ألا تتعاملوا معها منعاً للحرج، وسلمتهم مكتوباً رسمياً بذلك، في وقت ينشئ فيه أخوان المسؤولين شركات خاصة حينما يتولون هم المسؤولية. وهل طبقت ذات الفكرة عندما عينت وكيلاً لوزارة الصحة؟ عندما جئت لهذا المنصب وجدت حديثاً كثيراً رائجاً داخل الوزارة في عهد الوكيل الذي سبقني، حول كيف تشتري وزارة الصحة الأجهزة والمعدات، وكيف تحقق مشروع توطين العلاج، وحينها اصدرت قراراً بأن يكون كل الشراء عبر إدارة الإمدادات الطبية، وأن تكون هي الذراع الوحيد لذلك، فالوزارة كانت تشتري هذه المعدات والأدوية من غير الإمدادات الطبية، وكان هذا هو محور الصراع، والتزمنا بهذا القرار طيلة فترتي بالوزارة، وذلك منعاً للقيل والقال. ورغم ذلك لم نسلم من الحملات الصحفية التي قادها ضدنا البعض ممن تضررت مصالحهم، فكانوا يحاولون الإيحاء بأننا نعمل لمصلحة بعض الأقارب، وذلك بإيراد أنصاف الحقائق، وهناك أنموذج ظللت أذكره باستمرار، هو أن بعض الصحف تحدثت عن أن قريباً لي يعمل بالمستشفى الصيني، ولكن الذي لم يذكره هؤلاء أن هذا القريب ظل يعمل بالمستشفى قبل سبع سنوات من حضوري للسودان، وحينما أُثيرت حوله الشبهات أنا الذي أصدرت قرار إيقافه عن العمل، وتكوين لجنة لتقصي الحقائق، فخسرت هذا القريب، وغضبت مني خالتي، ورغم ذلك لم أسلم من ألسنة الناس. يقال إن لديك علاقة وثيقة أو صلة قرابة بالوزير كمال عبد اللطيف.. ما حقيقة ذلك.. خاصة أن هناك من يعتقد أنك تجد الدعم والمساندة منه؟ هذه تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه، فأنا لم أقابل كمال عبد اللطيف وليست لي أية صلة قرابة أو نسب معه، لكني اقدره جداً، ولم التق به في حياتي إلا بعد أن أصبحت مديراً لمستشفى الخرطوم. ما هو القرار أو التوجه الذي كان قاصمة الظهر بالنسبة لك وعجل برحيلك من منصب الوكيل؟ لا أعتقد أن ظهري قد قصم، ولكن أعتقد أن أية خطوة في اتجاه الإصلاح أو التغيير لها ثمنها، وليس هنا قرار بعينه، وإنما هي تراكمات لأفعال مستمرة. ألا تعتقد أن قضية إضراب الأطباء هي التي أفقدتك هذا المنصب؟ أعتقد أن هذا أنموذج جعلني في منطقة نيران الطرفين، وهذه القضية كان لها أثر سالب في صورة الوزارة وشخصي، حيث تلقيت بعض التقريع من نافذين في المؤتمر الوطني، وأساس القضية أننا زدنا عدد نواب الاختصاصيين، وفي المقابل نجد أن النواب الذين أضربوا كانت لديهم فكرة سالبة بأننا نقف حائلاً بينهم وبين أخذ حقوقهم، وهي فكرة على العكس من ذلك تماماً، والحقيقة أننا في الغرف المغلقة ننافح من أجل هؤلاء النواب، وهذه القضية لم تكن ظاهرة بالنسبة لنا في الصراع، فكان هناك من يمشي بين الناس ويقول إن الوكيل هو الذي يحول دون الحقوق، ولدي ما أملك من الحقائق والإثباتات والوقائع والمكاتبات. من وجهة نظرك ما هي المكاسب التي حققتموها للنواب في فترتك بالوزارة؟ أقول إن هناك العديد من المكاسب التي حققها النواب في تلك الفترة، مثل منحة الرئيس والعديد من البدلات الأخرى، ورغم ذلك أعتقد أنها ليست كافية، ولكنها إنجازات كان يجب أن تحسب لنا وليس علينا، ولكن للأسف اكتشفنا أخيراً من داخل الوزارة من كان يمشي بين الناس وينقل صورة عكسية. إذن هي مؤامرة؟ سمها ما شئت، وأنا كنت مندهشاً واستغرب كيف يمكن أن ندافع عن حقوق ومصالح هؤلاء النواب في اجتماعات مشتركة مع نائب الرئيس ووزارة المالية، ثم نكتشف بعد ذلك هجوماً علينا في المواقع الالكترونية، فكنت اتساءل كيف تكون المواءمة بين هاتين الصورتين، لكن الآن أنا أعرف كل الحقيقة. دكتور كمال كيف تقرأ حيثيات قرار أيلولة المستشفيات الاتحادية لولاية الخرطوم؟ وما هو المنطقي وغير المنطقي في هذا القرار؟ في عهدنا آلت تسعة مستشفيات لولاية الخرطوم ولكن دون ضجة، لأننا قمنا بالترتيبات اللازمة وبطريقة ناعمة، وهذا القرار على المدى الطويل سيكون في صالح المواطن والنظام الصحي، ولكن قد تصاحبه عقبات كبيرة في التنفيذ في المرحلة الأولى، وقد تكون الترتيبات التي اتخذت متعجلة قليلاً. لكن هذه القرار واجهته حملة قوية مضادة كادت تجهضه؟ كان يجب أن يتم تنوير لكل العاملين في القطاع الصحي بالترتيبات المالية والإدارية، على أن تمرحل هذه الأيلولة. ألا تعني الأيلولة خطوة استباقية لخروج الحكومة من مسؤولياتها تجاه القطاع الصحي، وتمكين القطاع الخاص من تقديم الخدمة على أساس تجاري؟ أنا لا أعلم الدوافع الحقيقية لهذا القرار، ولكن بصورة عامة ربما لتصبح كل المنظومة العلاجية تحت إدارة موحدة، لتسهيل التعامل والتوزيع الجغرافي للخدمات. البعض ينظر لوزارة الصحة كأنها أصبحت مؤسسة للجباية وجمع المال، وذلك وفق معطيات رسوم عالية ومتعددة الأوجه تفرضها الوزارة في تعاملاتها الصحية.. أليست هذه حقيقة؟ فهمي لهذه القضية أن هناك ما يسمى رسوم عمليات أو رسوم مقابلة الطبيب في الحالات الباردة، وفهمي أيضا أن كل الحالات الطارئة تعالج بالمجان، وهذه هي السياسة في كل المؤسسات الصحية الحكومية، وكانت لدينا توجيهات واضحة بألا يرد مريض بسبب عدم مقدرته على الدفع، ويجب ألا تكون الرسوم عائقاً بين المواطن والوصول إلى النظام الصحي. لكن الواقع الآن يشير إلى أن المواطن مازال يصارع ويعاني من أجل الحصول على العلاج؟ اعتقد أن الحل في توسيع مظلة التأمين الصحي، لأن العلاج مكلف جداً، وغير القادرين يجب أن تتولى عنهم الدولة ذلك، وفي ظني أن الثقافة التأمينية حتى الآن ضعيفة، بمعنى أن ثقافة الاحتياط لليوم الأسود ضعيفة، وعلى التأمين الصحي أن يقدم خدمة مقنعة. ومعلوم أن العلاج من أكبر مسببات الإفقار للأسر. يلاحظ أن هناك صعوداً في أسعار الدواء.. ما هي الأسباب؟ وهل صحيح أن هناك مافيا تجارية تعمل في هذا المجال؟ أعتقد أن هناك مشكلة قادمة في مجال الدواء، حيث تحجم الشركات الآن عن فتح اعتمادات لشراء الدواء، وذلك خوفاً من استمرار ارتفاع سعر الدولار وخوفاً من البيع بأسعار قد تصبح غير مجزية في القريب العاجل، ونحتاج لجهد كبير في هذا المجال حتى نتفادى أي نقص محتمل في الدواء، وأقول إن آليات السوق هي التي تحدد استيراد الدواء، وعلى الدولة ضبط هذا السوق وفق آلية محددة، ولا يكفي أن توفر الدولة المال فقط لجلب الدواء. وعموماً أمر الدواء كله من تسعيرة وإجازة أصناف يتبع للمجلس الاتحادي للأدوية والسموم، ولا علم لي بوجود ضغوط مُورست على المجلس لاتخاذ قرارات بشأن أسعار الأدوية، ولكننا نسمع عن وجود مافيا الدواء كما يسمع الآخرون. ما هي القناعات التي ترسَّخت لديك حول تجربتك في الوزارة وتقييمك العام لمجمل ما يجري في القطاع الصحي؟ أنا في الحقيقة بعد مغادرتي الوزارة توقفت عن الحديث في أي شأن يخص الصحة، لأن البعض قد يفسر ذلك بأني غاضب من مغادرتي للوزارة، ولذلك أخذت وقتاً كافياً قبل الحديث، والشيء الآخر كما ذكرت، أنه تكشفت لديَّ حقائق كثيرة في هذه الفترة، واكتملت الصورة الآن، وأشير هنا إلى أن كثيراً من الإنجازات التي بدأناها وأوشكت أن تؤتي أكلها توقفت، وهذا ما يؤلمني. وهناك نماذج شاخصة أمامي، وهي المجمعات الجراحية في بحري وأم درمان وحوادث مستشفى الشعب ومجمع الجراحة بمستشفى الخرطوم، وكنا على وشك افتتاح مجمع الجراحة ببحري بعد أن تكونت لجنة الإعداد للافتتاح، وهو مجمع كبير صرف فيه أكثر من «18» مليار جنيه، وأنا لا أدري سبباً واحداً أن تظل هذه المجمعات متوقفة لأكثر من عشرة شهور، فكم من المرضى كان من المفترض أن يعالجوا في هذه المجمعات، وأنا اتساءل كيف توقفت هذه المجمعات التي كان يمكن أن تغير وجه النظام الصحي بالخرطوم، بعد أن صرفت عليها الدولة أموالاً كبيرة استقطعتها من «جلدها». إلى ماذا تعزو تزايد ظاهرة هجرة الأطباء؟ أعزوها إلى أن النظام الصحي لا يستوعب الأعداد الكبيرة من الأطباء، بمعنى أن التمدد في القطاع الصحي لا يواكب أعداد الأطباء الموجودين في الساحة، إضافة إلى أن ما يُدفع للطبيب ضئيل جداً قياساً بما هو مطلوب منه من أداء، مما يؤكد ضعف شروط الخدمة، وكنت أقول إن ما يدفع لطبيب الامتياز أقل مما يدفع للخادمة الأجنبية، وأُخذت هذه المقولة ضدي، وهي توصيف لواقع، وأكررها الآن. إذا طُلب منك إجراء مراجعات أو تغييرات في النظام الصحي بماذا تبدأ؟ أعتقد أن طريقة تمويل النظام الصحي يجب أن تتغير، وبوضوح شديد سياسات العلاج المجاني والتأمين الصحي، ونحن بدأنا هذه المراجعات، وأنشأنا من أجل ذلك مجلس التنسيق الصحي، وقمنا ببعض المعالجات التي قطعت شوطاً بعيداً، وعلمت فيما بعد أنها توقفت، ولا أعرف الآن أين وصل الأمر، وأنا أدعو إلى تقديم الخدمة العلاجية للفئات الأكثر احتياجاً وفقراً.