الرئيس جعفر نميري رحمة الله عليه يخاطب حاكم الإقليم الشمالي قائلاً: ما هي مشكلة امتداد مشروع القرير ولماذا لم ينفَّذ وقد اتُّخذ قرار بتنفيذه خلال السبعينيات؟ كان ذلك في مؤتمر دنقلا الزراعي عام 1984م الذي ناقش كل مشكلات التنمية الزراعية في الإقليم الشمالي والمشروعات المتوقَّع إعدادُها بعد الدراسات الدقيقة التي أُجريت بواسطة حاكم الإقليم سعادة الدكتور عبد الله أحمد عبد الله بهدف توطين زراعة القمح في الإقليم للاكتفاء الذاتي والصادر. والحكاية بدأت عندما قدَّم اتحاد مزارعي القرير على هامش ذلك المؤتمر طلبًا للسيد رئيس الجمهورية بأن الحاجة أصبحت ماسّة لتنفيذ امتداد مشروع القرير المقرَّر منذ عدة سنوات لأن أرض المشروع أصبحت لا تفي احتياجات أصحابه وقد تمدَّدت الأسر منذ إنشاء المشروع في العام 1917م وأصبح اليوم للملاك أحفاد ولأبنائهم أحفاد. مشروع القرير الزراعي أُنشئ عام 1917م ومُلِّك للمواطنين المقيمين في المنطقة الذين كانوا يعتمدون على الري بالسواقي وهو من ضمن ما يسمّى بالمشروعات الإعاشية وقد أُجريت في المشروع التجارب لعدد من المحاصيل التي ستُزرع في مشروعات أخرى في السودان ومنها محصول القطن والفول السوداني والبقوليات.. أصبح المشروع منذ ذلك الوقت يزرع عروة صيفية وأخرى شتوية، وكانت دوراتُه الزراعية في البداية تشمل الفول المصري والقمح والذرة بالإضافة للأعلاف والمزروعات البستانية وللتمور اهتمام خاص واليوم أصبح كل المشروع «مُبسْتن». بدأت حكومة الإقليم الشمالي إكمال مسوحات الأرض في بداية العام 1985م وتوقَّفت إجراءات المساحة عندما قامت الانتفاضة ولم يُحرَّك ساكنٌ طوال فترة الديمقراطية الثالثة «حكم الصادق المهدي أو فترة حكم الأحزاب» سمِّها ما شئتَ. مع بداية التسعينيات ومن خلال مؤتمر تنمية مروي شدَّد الشهيد الزبير على الإسراع بتنفيذ امتداد المشروع الذي حُدِّدت مساحتُه بثلاثة آلاف وخمسمائة فدان. تم توزيع المساحة على المستحقِّين تحت إشراف حكومة الولاية في عهد الدكتور الحاج آدم بشروط تم الاتفاق عليها، وفرضت الولاية مبلغًا من المال يزيد على الخمسين مليونًا في ذلك الوقت مساهمة من المُلاّك في معدّات تجهيز الامتداد تمَّ تحصيلُه وتوريدُه للولاية وصدر قرار من الولاية بأسماء المستحقين وبدأ تنفيذ الحفريات وقام المُلاك بجمع مبالغ أخرى لتعويض جميع المتضرِّرين من مسار الترعة الرئيسة. حسب توجيه الدكتور الحاج آدم كان من المُفترض تسليم المستحقِّين مساحاتهم واللحاق بالعروة الشتوية لعام 1995م. تأخَّر تنفيذ القنوات لأخطاء في المسار وتأجيل تسليم المساحات لأصحابها لعدم اكتمال تسوية الأرض وعدم تنفيذ القنوات الفرعية، وخلال تلك الفترة الطويلة قامت أسر جديدة وأصبحت تنتظر حظها من الأرض. وهكذا ظلَّ المشروع على ما هو عليه، وأصبح أهالي المشروع يلاحقون السلطات للإسراع بتنفيذه إلى أن استلمت شركة «زادنا» مهمة تنفيذ المشروع وأُجريت مساحة كنتورية دقيقة وزادت مساحة الامتداد على ما تم تقسيمه من قبل بأكثر من عشرة آلاف فدان ووُسِّعت قنوات الري وتم تنفيذ بيّارة بها وابورات ذات كفاءة عالية وتم تنظيم وتقسيم مساحات الامتداد إلى أقسام «ميجرات» وعليه اُعتُبرت المساحات الموزَّعة على مستحقيها عام 1995م على أنها المرحلة الأولى ويتم رِيُّها من خلال ميجر واحد (Major one) وطلب الوالي من المزارعين عند زيارته للمشروع خلال شهر نوفمبر الماضي باللحاق بالعروة الشتوية بعد أن امتلأت القنوات بالمياه ووجَّه بزراعة القمح في المساحات التي تم تخصيصها على أن تُسلَّم فوراً لأصحابها مع استمرار مسح وتسوية أراضي المرحلة الثانية والثالثة (Major 2,3 two three). أصبح الجميع يشعر بأن الحلم بدأ يتحقق بعد انتظار خمسة وثلاثين عامًا منذ قرار حكومة مايو بتنفيذ امتداد المشروع وأصبحت الولاية تنظر إلى عظمة الإنجاز الذي قامت به شركة «زادنا» بتمويل من الحكومة الاتحادية وهي تتطلَّع لمحصول من القمح يخرج من ثلاثة آلاف فدان يُضاف لإنتاج الولاية هذا العام.. ولكن لم يتحقق الحلم ولم يتم اللحاق بالعروة الشتوية. ٭ لماذا؟ لأن من استجاروا بأصحاب الحق وأحسن أصحاب الحق جيرتهم واحتضنوهم بين ضلوعهم وأرضهم لا يعرفون الحكاية من بدايتها لأنهم ولم يكونوا حضوراً في زمانها ولم يعايشوا دروبها. ولو انتظروا وتأنَّوا قليلاً لامتدَّ الخير ولشمل كل الناس ولحُسنت الجيرة وزادت المحبَّة وفرح الجميع بالحاضر وتفاءلوا بالمستقبل، ولكن لمن نحكي الحكاية من البداية؟؟ ولماذا؟؟ فهل في الآذان وقرٌ أم في العيون غشاوة؟؟ أم أن الأرض الزراعية في معتمدية مروي بمئات آلاف أفدنتها ضاقت على سكانها؟ ٭ من لا يعرف الحقيقة فليتبيَّن!!