أ. د عمر شاع الدين مركز الضادّ للدراسات العربيّة قلت: إن وسع العربيّة باب أنت إن ولجته وجدته حقيقة ماثلة في كلّ وقفة تأمل.. وافية صافية، تدفعك أن تدهش مراراً كيف تم هذا التطهيم كله عفواً! ولماذا! وقد بهرني الإيفاء فيما وجدته زاخراً من عمق الحدّ، في المدى بين الأصابع.. فلكل مدى اخترعوا اسماً، وقد سألت نفسي هل ثمة حاجة ملحة كانت تدفعهم لهذا البذخ والتدقيق، أما كان يمكن الاستغناء الواضح الأول عن ضروب الاطناب بمثل قولنا العام (فروق الأصابع) وقد وردت في قول شاعر حصيف لم يزخم معانيه بالتفاصيل: ومن يأمن الدنيا يك كالقابض على الماء خانته فروق الأصابع قلت: وجدت هذا التفصيل ماثلاً في متعات اللغة: 1 من طرف الإبهام إلى طرف الخنصر = الشّبر 2 من طرف الإبهام إلى طرف السبابة الفِتْر 3 ما بين السبابة والوسطى = الرّتب 4 ما بين الوسطى والبنصر = العَتَب 5 ما بين البنصر والخَنْصر = الوَصَم 6 ما بين أصبعين من الرّتب والعَتَب والوصم = الفَوت قلت: هذا ثراء لا أحسبه كان متاحاً لغير العربية السمحاء.. هل البداءات تعنى دائمًا بالتفصيل والتطويل ثم تجنح نحو الإيجاز.. قلت: قال الخبيث صاحبي: أغنانا عن طائلة هذا.. أما كان يفي ويكفي قولنا للمدى: الشّبر! قلت: إن المراد بهذه الطائلة أن تحدّد لنا (المدى) = المسافة وهي أطوال متفاوتة، وقد وجدت أطوالها: ما بين الإبهام والوسطى، ولم أجد له اسماً.. ثم يجيء بعده المدى: ما بين الإبهام والخنصر، واسمه: الشّبر، ثم يجيء بعده المدى ما بين الإبهام والسبابة واسمه الفتر. أما المدى ما بين السبابة والوسطى، والوسطى والبنصر، والبنصر، فقد وجدتها متساوية المدى، ولذا جعلوا لها اسماً واحداً هو الفوت. قلت: هنا التفت لنفسي مهنئاً.. فقد انتصرت لي بانتصارها للغة... عفارم. عفارم... بروف معتصم صديقنا الودود الباحث الدؤوب مدير مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بالجامعة الأهلية معتصم أحمد الحاج، بالأمس القريب تسنّم عن جدارة واقتدار درجة الأستاذية، حقيقة لكم أسعدني الخبر، وذلك لمعرفتي بالرجل، إذ هو عندي من القلائل الذين يستغرقهم البحث الجاد ومراسي التنقير، ما جئته إلا وجدته منشغلاً بالتحصيل مقبلاً على مخطوطة يحققها، أو كتاب جديد يعالج.. صديقنا نمط فريد في إقباله على أبواب المعرفة.. تراه مندفعاً في حماس لا يتوانى ولا يشكو ملالاً.. أنت يا عارف الكريم ، لا تعروك الدهشة لمّا تجد أن سائر كتاباته كانت أعمالاً خالدة في ثقافتنا السودانية التاريخية، على قدر من الفخامة، تريك قدر ما تحصل واستغرق من الوقت والكدّ. لقد حالفني الحظ بمطالعات شائقة لسائر كتبه.. رأيت من الحكمة وإتمام الفائدة أن أنقلها تذكيراً للقارئ: 1 الخلاوي في السودان. 2 التعليم الأهلي في أم درمان. 3 معجم شخصيات مؤتمر الخريجين. 4 محاضر مؤتمر الخريجين ووثائقه،3 أجزاء. 5 أزهد السودان. لقد أسعدني ما كتبته في الأحداث عن أزهد السودان (6 مقالات) كنت فيها مبهوراً بما تحصلته من ماتع النفع. أنت يا صديقي أهل لكلّ خير.. لقد ازدانت بك رفعة الدرجة.. فمرحى.. مرحى. سلطان الكيف: (كتاب رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان، ترجمة فؤاد اندراوس، في كلامه عن المماليك ومطاردة محمد علي لهم واعتصام «اثنين» منهم بالجبال ومعهم خدمهم.. قال خادم ليوركهارت بعد أن نزلوا لاحقين بإخوانهم: إن أفراد هذه الجماعة حين عجزوا عن الإقلاع عن التدخين وانعدم التبغ في الجبال، كانوا يحشون قصباتهم بروث الغزلان الجاف).