تمضي السنون وتعبر بنا الحياة مراحل متعددة، وما بين مرحلة وأخرى يستوقفك شخص ما أو أمر ما يؤثر على حياتك، يدخل في تفاصيلها، يعدل من طريقها، ويضع بصمات واضحة لحياتك، مثل هؤلاء الأشخاص يُعتبرون قدوة ويشاركون في تشكيل شخصيتك، تتابع سير حياتهم تقلباتهم وأفكارهم، قد يستمرون معك طوال الوقت وقد يختفون في لحظة ما، فتبحث عنهم بين قصاصات الأوراق وصور قديمة، لكن لن تنسى تأثيرهم على مجرى الأحداث في لحظة ما، هؤلاء الأشخاص هم أبطال حقيقيون لأحداث مهمة في مجتمعهم ووسط أهلهم وجيرانهم وزملاء عملهم، يضعون بصمات التميز والنجاح أينما ذهبوا، وحينما يختفون هكذا دونما إرادة منهم تجد الكثيرين يتساءلون أين هؤلاء الصادقون الذين من صدقهم جاء حتفهم، فهذا زمان المهازل، زمان لا يحتمل الصادقين ولا الأنقياء الطاهرين، إنه زمان فقاقيع الصابون التي ترتفع مشكلة دائرة عريضة في الأجواء، لكنها مملوءة هواءً، فارغة المحتوى ليس لها أثر، إن ذهبت لن تجد من يسأل عنها أو يتأثر باختفائها، مثل هؤلاء الهوائيين صادفتهم في حياتي كثيراً، لكنهم لم يؤثروا على مسيرتي أو شخصيتي، لأنهم لا يملكون القدرة على التغيير الصحيح، إنما هم خواء مثل زبد البحر الذي يذهب جفاءً ويبقى ما ينفع الناس، وما ينفع الناس كثير، فقط على الحادبين أن يبحثوا جيداً بين الوجوه عن الصادقين كما يبحث الغواص عن اللآلئ في جوف البحر وداخل الأصداف، إنهم موجودون لكنهم مبعدون، فالحياة أصبحت لا تحتمل الجواهر، فقط يعميها بريق الذهب المزيف الذي حالما يتساقط عنه الطلاء اللامع يصبح باهتاً مشوهاً ومنفراً.. كثيراً ما سألت نفسي عن أولئك الذين يتركون بصمات في الحياة حتى وإن عاشوا قليلاً، ويجعلون من أنفسهم محور اهتمام فريد بحديثهم الهادئ المهذب، وبعفوهم عمن ظلمهم بحياتهم الهادئة البسيطة دونما تعقيدات بعدم سخريتهم من الآخرين والتعالي عليهم بعدم تضييع وقتهم في القيل والقال وكثرة السؤال والجدال في ما لا يُجدي، بتواضعهم الجم حتى وهم يملكون ما يجعلهم جوار الثريا عزةً وأنفةً.. مثل هؤلاء وجدتهم في حياتي وافتقدهم حينما يختفون.. مثل هؤلاء أخي الشهيد أمين الذي كان كالطيف رقةً سليم القلب، لا يحمل للناس سوى الحب، ومثله كُثر من الشهداء الذين بذلوا دماءهم رخيصة فداءً لقضية آمنوا بها، وكثير من الذين يحيون معنا الآن لكنهم بعيدون عن شاشات التلفزة وصفحات الصحف وضجيج الإعلام، «أين هؤلاء؟!» ستكون سلسلة توثيقية تحكي سيرة حياة البعض ممن تركوا بصمات واضحة في هذه الحياة، آلينا على أنفسنا أن نبدأ بالذين انزووا أو زُووا بدعاوى الموازنات الواهية التي أطاحت أصحاب الكفاءة والخبرة، هم كُثر ونتساءل أين هم الآن.. أين د. صفية عبد الرحيم، أين د. ثريا يوسف، أين د. خديجة كرار، أين د. حسنات عوض ساتي، ود. سمية أبو كشوة، أنس عمر وإخوته، أُسامة عيدروس ورفاقه، حسن الباقر، محمد عبد العال، شيخ صادق عبد الله عبد الماجد، النحيلة، شيخ الدرديري، مريم سر الختم، بدرية الباقر، عطية محمد سعيد وميرغني المزمل وغيرهم لا تتسع الصفحات لذكرهم ان سردنا أسماءهم، لقد شكلوا قواسم مشتركة في كل شيء.. ألا ليت شعري أين هم الآن مما نحن فيه،، فقد ارتفعت فقاقيع الصابون عالياً في زمن الغفلة، لكنها حتماً لن تبلغ عنان السماء. مرايا أخيرة: لم يبق لنا سوى التأسي بذكرى من ارتحلوا عن دنيانا.. وعزاؤنا في من بقوا على قيد الحياة يحملون عبق السابقين.