على خلفية الأحداث التي شهدتها منطقة العيلفون بشرق النيل، بعد أن أقدمت جهة مجهولة على نبش وحرق وتخريب ضريحي الشيخين إدريس ود الأرباب والمقابلي وتكرار الحادثة على ضريح الشيخ السنوسي بنيالا بجنوب دارفور، اتهمت إثر ذلك جماعة أنصار السنة المحمدية وغيرها من الجماعات السلفية بارتكاب تلك المخالفات، وتصاعد بعدها الجدل والنقاش حول مآلات تلك الأحداث لدرجة اعتبرها البعض من مهددات الأمن القومي باعتبارها تطرفاً دينياً، الأمر الذي من شأنه إدخال البلاد في صراعات وفتنة دينية لا حاجة للناس بها في زمان ومكان غير مناسبين. جماعة انصار السنة بدورها نأت بنفسها عن تلك المخالفات، وقال رئيسها د. إسماعيل عثمان ل «الشروق»: «إن الجماعة على امتداد تاريخها في السودان منذ عام 1916م لم يعرف عنها أو يُثبت عليها أنها قتلت أو اعتدت او هدمت» وزاد قائلاً: «الجماعة لا تتبنى العنف في منهجها، ويمكنها أن تفصل كل من يخرج عن هذا المنهج»، وأشار إلى علاقات طيبة تربطه بشيوخ الطرق الصوفية الذين لم يحدث أن اتهموا الجماعة بنبش أضرحة. وأكد عثمان أنه لم يتلق حتى الآن أي اتهام من أيٍ من شيوخ الطرق الصوفية للجماعة بهذه الأحداث. بينما اعتبرت الطرق الصوفية هذه الاعتداءات والجرائم التي وصفتها بالإرهابية حسب تعبيرها، لم تقم بها شياطين أو قوات خاصة جاءت من الخارج أو فيروسات أرسلتها جهات معادية، بل هي حسب تعبيرها «قام بها أناس «مننا وفينا»، بمعنى أنهم موجودون في هذا السودان وينطلقون من توجهات فكرية تنادي بهدم الأضرحة باعتبارها شركاً وخروجاً عن الدين». ويرى مراقبون أن اتهام الجماعات السلفية لم يجيء اعتباطاً، وإنما جاء نتيجة لدعوات بعض شيوخها من خلال الخطب والمنابر لمحاربة الصوفية، ووصف بعض أفعالها بالبدعة والشرك والبعد عن الدين، الأمر الذي شحذ همم البعض لإزالة ما يرونه مخالفاً للدين، استناداً لبعض الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى تغيير المنكر باليد، إلا أن د. إسماعيل أوضح أن هذا الحديث غير معني به الأفراد وإنما المقصود به السلطان. ونجد أن الاعتداءات على الأضرحة والأماكن الدينية كثر خلال الحقب الماضية، ولم تكن أضرحة ود الأرباب والمقابلي والسنوسي هي الأولى من نوعها، فقد تعرضت العديد من الأضرحة حسب روايات بعض أهل الطرق الصوفية إلى الاعتداءات مثل ضريح الشيخ حسوبة بسوبا شرق، وضريح الفكي هاشم شمال بحري، ومحاولات سابقة لتفجير ضريح الحاج يوسف، وتخريب ضريح الشيخ حمد ود أم مريوم ببحري، وتخريب ونبش مقابر العيدج والبنداري. وفي وقت قريب شهدت مدينة الأبيض حادثة مؤسفة وهي عملية ذبح طالت حارس ضريح الشيخ إسماعيل الولي. ولم تكن تلك الاعتداءات مقتصرة على أماكن الصوفية فقط، حيث طالت الجماعات السلفية أيضاً وفي مقدمتها جماعة أنصار السنة التي عدد رئيسها الاعتداءات عليهم في أماكن متفرقة من أنحاء السودان في الجرافة والثورة بأم درمان، بجانب حادثة مسجد الجماعة بود مدني، وهو ما حمل د. إسماعيل لدعوة الحكومة للقيام بواجبها في حماية الأحياء والأموات، عبر حماية المساجد من التطرف والبدع والباطل والخرافة، وحماية المصلين في المساجد، وهي دعوة رغم اعتراض البعض عليها إلا أن كثيرين رأوا فيها منطقاً في ظل تصاعد الخلافات والجدل والتطرف والسخرية في بعض المساجد من كثير من الشخصيات الدينية، الأمر الذي يمكن أن يحد من ذلك، خاصة أن بعض دعوات التطرف من الجانبين تنطلق دوافعها الأولى في كثير من الأحيان حسب البعض من المنابر، الأمر الذي يحتم على الدولة التحرك لوقف هذه الأحداث حتى لا يتطور الأمر إلى فتنة وحرب دينية. وكانت عدة جهات قد قادت خلال الأيام الماضية مبادرات لتجاوز الأمر، منها مبادرة التواصل بين الجماعات الإسلامية التي تقدم بها المجلس القومي للذكر والذاكرين، وسعى المجلس من خلالها بين الطرفين من أجل تقريب وجهات النظر بين المدرستين، حيث أدان المجلس واستنكرالأحداث وأكد رعاية الدولة للجميع، بينما رأت هيئة علماء السودان ضرورة معرفة ومعالجة بؤر التطرف، ودعت إلى تفعيل لجان المساجد، وطالبت وزارة الأوقاف والإرشاد بسن قانون اتحادي للمساجد، حيث حذَّر الأمين العام للهيئة بروفيسور محمد عثمان صالح من الظاهرة، وقال: «قد تكون خلفها جهات تريد إثارة الفتنة، أو قد يكون الجاني شخصاً مريضاً، والتعميم باتهام السلفيين مضر وفيه ظلم».