ارتبط التطرُّف الديني بأعمال التخريب والتفجيرات التي زعزعت أمن أكثر الدول جبروتاً، فأمريكا «العظيمة» شكّلت لائحة للدول الإرهابية حسب مفهومها وبعضها تم تصنيفها دولاً راعية للإرهاب إذ لم تنسَ أمريكا إقامة عدوها اللدود أسامة بن لادن رحمة الله عليه في السودان فترة من حياته، وزاد الطين بلة مقتل الدبلوماسي الأمريكي «جرانفيل» وسائقه السوداني على يد بعض المتطرفين دينياً، فاعتمد السودان لدى أمريكا من الدول الراعية للإرهاب حتى إن أمريكا رفضت رفع العقوبات الاقتصادية عنه ما لم يجتهد في محاربته.. الآن بدأت بعض المجموعات المتطرفة تمارس نشاطاً بالتأكيد سيكون ذا أثر سالب على السودان، آخر تلك الأنشطة الاعتداءات على الأضرحة التي وقعت مؤخرًا على مسيد الشيخ إدريس ود الأرباب بمنطقة العيلفون، فبالإضافة للأثر الخارجي واحتمالات حدوث فتنة داخلية كبيرة بين الكيان الذي تنتمي إليه تلك المجموعات ومريدي الطرق الصوفية، اتهم الصوفيةُ أنصارَ السنةِ بينما تبرأ الأخيرون منه. بين الصوفية والسلفية في القرن العاشر الهجري وفد تاج الدين البُهاري أول من أدخل الطريقة القادرية في السودان ودعمتها الدولة السنارية، ولم يكن سودان وادي يعرف من العقائد غير الأشعرية النيل ومن الفقه غير المالكي إلا في مجالات محددة حيث عرفت بربر وأربجي المذهب الشافعي على يد حجار بن معين، وكانت تلك الثقافة هي صمام الأمان رغم وجود خلافات في الدولة السنارية بيّن الفقهاء الشرعيون والصوفية حسب الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين قسم العقيدة بجامعة أمدرمان الإسلامية د.قمر الدولة زين العابدين في حديث ل «الإنتباهة»، وفي الدولة المهدية ألغى الإمام المهدي المذاهب الأربعة وحرق آلاف المخطوطات، أما التي حاول أصحابها إخفاءها بطرق غير علمية ففسدت فضلاً عن الغارات التي تشن من حين لآخر على دور العلم كقتال «العواليب» الذي ذهب بمكتبة الشيخ عبد الرحمن الضرير «ود بانقا الكبير» الذي جلب معه من الكتب حمولة «7 أباعر» وعدداً ضخماً من المجلدات تلفت كلها.. وبعد سقوط المهدية تواصل السودان مع الأزهر وكان ثمرة ذلك التواصل نشوء المعاهد الأزهرية الدينية مثل معهد «مدرمان العلمي» الذي درس فيه عشرات من الذين طلبوا العلم من الأزهر ثم عادوا للسودان بعد احتكاك بعضهم بالسلفية حاملين هذا المذهب إلى السودان ثم ظهرت حركة الإخوان في أواخر العشرينيات وتتلمذ على يدها «الشيخ حسن البنا» ودخلت الحركة الوهابية السودان واصطدمت بالصوفية وكان هناك «عنف خفي» واتخذت الحركة التيار العنيف عندما التقى تيار جماعة الإخوان المسلمين بالتيار السلفي وتبلورت جماعات اتخذت من العنف طابعاً لها واحتضنت في باطنها رجالاً أُشبعوا بالعنف حسب تعبير محدثي كعبد الرحمن الخليفي الذي قتل المصلين في مسجد «الثورة» وبعد انتصار الثورة الشيعية في إيران على نظام الشاه أعجب بها بعض الشباب وحاولت الدولة الإيرانية نشر هذا المذهب مستغلة الأوضاع المادية في السودان وقامت باستقطاب العديد من الشباب وإيفادهم لإيران وجاءوا ثم عادوا لينشرونه وتسلل هذا المذهب في ال«20» سنة الماضية لمعظم أنحاء السودان ولكنه أعلن عن نفسه في مؤتمر ب «جبل أولياء» وبذلك أصبحت هناك جبهة صراع جديد تضاف إلى الصوفية إضافة للسلفيين وتسلل المذهب إلى شرق النيل والنيل الأبيض وكردفان ويصف د. قمر الدولة ظاهرة التطرف الديني بأنها من أمراض التديُّن وتدل على عدم القدرة على إدارة حوار فكري بنّاء يحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، فالسودان في تاريخه القديم لم يعرف التفجيرات والاغتيالات مما يعني أنها ظاهرة وافدة إليه ولكنه يجزم أنها ظاهرة عَرَضية لا تغيِّر من مسيرة الدعوة في السودان الذي امتص الناس فيه الدين الإسلامي ل «5 قرون» لم تعرف العنف. جميع الجامعات الإسلامية أدانت ظاهرة حرق الأضرحة التي حدثت في العيلفون باعتبارها تركاً لسلوك الحوار مع الأحياء ليتحاوروا مع الموتى فاستدبروا المستقبل واتجهوا للماضي. العنف ليس منهجنا بعد انتظار دام حتى منتصف الليل استطعنا مقابلة الشيخ أحمد بن الشيخ دفع الله «الصايم ديمة» خليفة الطريقة القادرية العركية الذي لم يتحدث هو أو والده من قبل لصحيفة سودانية طوال خلافتهما التى امتدت ل«16» عاماً بل أقام ندوات في نفس موضوع التحقيق بعد أن قصدته «الإنتباهة» بمسيده فقال: ظاهرة حرق الأضرحة تكررت كثيرًا مثل حرق ضريح الشيخ حسوبة بنيالا وضريح الشيخ إدريس ود الأرباب، وحسب علمي أيضاً أنه قبل عامين حرقت قبة الشيخ إسماعيل الولي بالأبيض وذبح حارسها، وحذّر من حرب طائفية لاتحمد عقباها بسبب تلك الظاهرة، مبيناً أن الصوفية معروفة بطرحها الذي لا يميل للعنف حتى في خطابها الديني وعلى الدولة والجهات الأمنية حسم تلك الظواهر لأن هذا واجبها، بينما يقتصر دورهم كصوفية على الإدانة وأردف: «أما إذا حاول أحدهم التعدي على مسيدنا وأضرحتنا فمن الطبيعي أن ندافع عن أنفسنا»، واستبعد الشيخ أن تحدث مثل هذه الأفعال من قبل الصوفية أنفسهم وقال:« هذا الادعاء لا يسنده منطق ولاعقل، فالصوفية معروفون ولايخشى على مكانتهم لأنهم أول من أدخل الإسلام في السودان ولهم دور في التربية الروحية، كما أن الشعب السوداني واعٍ ولا يرضى أي نوع من الهشاشة العقائدية، ومن وجهة نظري أن الشعب السوداني صوفي بنسبة 98% فهناك قلة لديهم رأي في الصوفية». وزاد:«رغم الانتشار النسبي للشيعة في السودان إلا أنني أستبعد أن يكون لهم دورلأن فكرهم غير ظاهر، والصوفية لا يمكن أن تكون مدخلاً للشيعة لأن منهجها معروف هو الكتاب والسنة وتوقير الصحابة وهذه الأحاديث مختلقة للمساواة بين الشيعة والصوفية لإدخال الشك في نفوس المسلمين، الصوفية كان ومايزال نهجهم مبنياً على الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله سبحانه، وكثير من المسؤولين بالدولة صوفية ومريدون للتصوف وحتى الإمام حسن البنا نفسه مؤسس حركة الإخوان المسلمين صوفي وطريقته شاذلية، والصوفية يمكن أن يسهموا في إحلال السلام بالبلاد لأنهم يشكلون توزاناً قبلياً، ففي المسيد تجد كل القبائل، لا أنكر أن الاختلاف بين الصوفية موجود موجود ولكنه طبيعي لأنه من طبيعة البشر ولكن بيوت الدين والطرق الكبيرة صلتها ببعض طيبة وتجدهم يتجمعون في «الحوليات» والتي تعتبر من أكبر المناسبات الدينية التي توضح انصهار الصوفية مع بعضهم البعض والصوفية إن اختلفت مشاربها فغايتها واحدة ». والعاصم الحقيقي هو الالتزام بالسنة والمنهج القويم ووحدة الكلمة لأنها العاصم من الاختلاف الناتج من الخلفيات التاريخية لأنه لما جاء الإسلام لم يكن هناك شيعة بالمعنى الطائفي المذهبي، لهذا كان النداء القرآني «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» والتفرُّق نتجت عنه فرق كثيرة مع أن الاصل هو الانتماء لملة الإسلام فإذا لم يتوحد الناس ك«أمة محمد» فعلى الكل الالتزام بالقاعدتين الشريفتين وأولاهما النظر إلى القواسم المشتركة بين الطرق والمذاهب وأن يتعاون الجميع فيما اتفقوا فيه ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوافيه من الفروع وثانيتهما التمسك بأدب الحوار والمناظرة والمجادلة وربما يتضح بعدها الحق وختم حديثه بتساؤلات : أعداء الإسلام تكتلوا في جبهة واحدة لتحقيق أهدافهم فهل يعجز المسلمون عن أن يصبحواعلى كلمة سواء للدفاع عن دينهم وعقيدتهم حتى لا نخضع لبرمجة أعدائنا الذين يريدوننا أن نتنازع ؟؟؟ وقد قال جل وعلا «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا وصابروا أن الله مع الصابرين» ولابد للدولة أن تسنَّ قانوناً لحماية المساجد ولابد من تفعيل لجان المساجد، ومن يقوم بمثل تلك الأعمال ربما يكون مريضاً أو معتوها، فلابد من ملاحقته والقبض عليه» . التبرُّك بالأضرحة جائز من ناحيته قدم د . صلاح البدوي الخنجر أحد علماء الصوفية عدة أدلة على جواز التبرك بالأضرحة قائلاً: مسألة التبرُّك مجمع عليها وإنت كان هناك بعض المذاهب تنكره وحتى لا يحدث عنف طائفي بين الصوفية والوهابيين لابد من الحوار تلبية لقوله تعالى: «وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله» فالدعاء مستجاب في مكان للرجل الصالح ومن أمثلة ذلك دعاء زكريا عندما دخل على مريم فوجد عندها طعاماً في غير موسمه فدعا الله أن يرزقه ولد في غير أوانه أي بعد أن اشتعل الراس شيباً، وعبد الله بن عمر كان يتبرّك بالمنبر بعد خطبة النبي الكريم، والصحابي عبد الله بن الزبير الذي شرب دم رسول الله فلما صلبه الحجاج بن يوسف فاحت منه رائحة المسك حتى أنه أتى بجيفة كلب ميت ففاحت منه رائحة المسك. الجماعة يتبرأون في حديث إعلامي ل«قناة الشروق» تبرأ رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان الشيخ إسماعيل عثمان الماحي باسم جماعته من الاتهامات التي تلاحق مجموعات سلفية بنبش وحرق أضرحة شيوخ الطرق الصوفية وقال إن الجماعة منذ تأسيسها عام 1916 لم يسبق لها أن اعتدت أو هدمت بل أن الجماعة نفسها تعرّضت للعنف في مسجد الجرافة والثورة وحادثة مسجد أنصار السنة بمدني، ودعا الحكومة لحماية الأموات والأحياء وحماية المساجد من البدع والخرافة والباطل بالوصول للجناة الأصليين، وقال إن عدم تدخلها سيفرز ردود أفعال يروح ضحيتها أبرياء، وأكد أن الجماعة لا تتبنى العنف في منهجها الدعوي ويمكن أن تفصل كل من يخرج عن هذا المنهج، وأكد أن هناك علاقات ود تربطه بشيوخ الطرق الصوفية ولم يحدث أن اتهموه بنبش أضرحة، وأوضح أن الحديث النبوي الذي ينص على تغيير المنكر باليد مقصود به السلطان، وأردف: «نحن لسنا «خوارج» حتى نأخذ الحق بأيدينا». الإسلام دين وسطية الأمين العام لهيئة علماء السودان البروفسور محمد عثمان صالح سألته «الإنتباهة»: «من أين برزت هذه الظاهرة»؟ فأجاب: «لكل فعل رد فعل، فالظاهرة نتجت عن ابتعاد الناس عن دينهم والمنهج الصحيح والاستقامة المطلوبة لكل مسلم يقول تعالى «اهدنا الصراط المستقيم» والاستقامة يعبَّر عنها منهج الوسطية، كما في قوله عز وجل: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا». والإسلام يرفض التطرُّف سواء أكان غلوّاً في الدين أو إهمال أداء شعائر الدين أو إدخال ما ليس فيه، فحرق الأضرحة والاعتداء على مقامات رجال الدين تقود إلى فتنة طائفية في الدين وإفناء للدنيا «وحذر من الأخطاء المنهجية في الدعوة لأن المنهج الواضح هو«ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». الشرطة المرصاد اتجهنا إلى إدارة شرطة ولاية الخرطوم وسألنا مدير دائرة الجنايات اللواء شرطة محمد أحمد علي عن دورهم في التصدي للتطرف الذي قد يهدد أمن البلاد؟ فقال: «السودان بلد متسامح دينياً ولايوجد تعصُّب ديني بالمعنى المفهوم رغم تعدد المذاهب وما حدث تبرأ منه كل المجتمع السوداني وتعمل الجهات المختصة على عدم تفاقمها مستقبلاً بإزالة التوترات كما تعمل الشرطة على منع الاحتكاكات والملاسنات بين المذاهب والطوائف المختلفة بوضع ضوابط لتصاديق إقامة الندوات تتمثل في عدم الخروج عن الموضوع المصدق به وعدم التعرُّض لجهة معينة ولدينا إدارة كاملة للأمن والمعلومات تقوم برصد مثل تلك الأنشطة وتحديد العناصر المتشددة وننسق مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني في هذا الخصوص، وهذا النوع من الجرائم نادر الحدوث خاصة داخل ولاية الخرطوم كما لاتوجد جرائم وافدة ومايحدث في دول أخرى من أحداث شغب وحرق للمعابد وما يصاحبها من قتل لا يوجد في السودان، وما يقع من جرائم يتم التعامل معه وفقاً لتشريعاتنا السارية، فهناك قانون خاص حيث تنص المادة «5» من قانون الإرهاب للعام 2001على تجريم هذه الأفعال وتعاقب مرتكبيها بالإعدام أو السجن المؤبد والمادة «6» تعاقب كل من يدير أو يحرِّض أو يشارك قولاً أوفعلاً أو نشرًا في إدارة شبكة منظمة لارتكاب جريمة إرهابية بنفس العقوبة الوارده في المادة «5».