مع تصاعد وتيرة ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وبوادر التململ في كثير من الأقطار العربية بدأت بوادر ثورة شبابية مكتومة داخل المؤتمر الوطني تساندها ثلاث مجموعات داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، الأولى مجموعة من شيوخ الحركة الإسلامية الذين انزووا واتخذوا مكانًا قصيًا عندما تكالب الكثيرون من أهل الثقة نحو المغنم والاستثمارات... والمجموعة الثانية هي مجموعة المهمَّشين داخل المؤتمر الوطني... والثالثة مجموعة «المؤمنين» بتواصل الأجيال، إلا أنه سرعان ما أٌحبطت وتم تخدير «رؤوسها» بوعود تجديد الدماء والتغيير.. شيوخ خلف الكواليس أما المجموعة الأولى «الشيوخ» فهؤلاء متأثرون حتى النخاع بأدب الحركة الإسلامية ومنهجها التربوي السابق الذي أصبح الآن ضربًا من ضروب الأحاجي والاساطير فهولاء تمنعهم تلك التربية من الافتتان بالسلطة ومازالت تحصنهم من الحالة «الزنكلونية»، وهذه المجموعة تناقصت وضعفت واستكانت سنين عددًا وانهزمت أمام جيوش الفساد ولوبياته ومراكز قواه، الأمر الذي دفعها نحو الانزواء والتحصن بالصمت.. هذه المجموعة أصبحت تعيش على ذكريات الماضي وتحن إليه وتسعى إلى تغيير المنكر ب«قلبها» لذلك هي تدعم أي توجه للتصحيح وتغيير المنكر وتقف وراءه خلف الكواليس.. انتهازيون في قفص الاتهام أما المجموعة الثانية فهي طائفة المهمشين فهؤلاء يقلق مضاجعهم الشعور بالتهميش والإحساس بالظلم في ساحة تقسيم «المغنم» انطلاقًا من كونهم أعضاء أصيلين في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وقد أبلوا بلاء حسنًا سواء كان في ساحات الجهاد بالمال أو النفس أو المدافعة في مجالاتها المختلفة، ويرى هؤلاء أن «المغانم والمناصب» توزع على أساس الشلليات والتكتلات واللوبيات والمحسوبية والجهوية، وفي هذه الأجواء والمناخات المعتمة تسلل إلى مقدمة الصفوف نفعيون وانتهازيون لم ينالوا نصيبًا من العنت والشدة، يسندون ظهورهم إلى هذه «الشلة» أو تلك ويجدون الحماية الكافية من هذا «اللوبي» أو ذاك ويبحثون عن الشخصية البحتة، فأثروا ثراء فاحشًا في وقت تأخذ المخمصة بتلابيب بعض أهل البيت الأصليين أو هكذا تبدو الصورة عند هؤلاء.. سمك السلطة أما المجموعة الثالثة الداعمة للمذكرة وتغيير الدماء فهي مجموعة قيادات تتولى مناصب تنفيذية وسياسية وهذه المجموعة تؤمن بالتغيير وإسناد الأمر للشباب، وتبدو هذه المجموعة زاهدة في المناصب وتشجع في نفس الوقت ترفيع الشباب وإسناد مهام تنفيذية وسياسية إليهم إلا أن هذه المجموعة قليلة العدد وضعيفة التأثير ولا تستطيع مواجهة القابضين على مفاصل السلطة «المحتكرين» لها على الدوام الذين يبدون كالسمك لا يستطيعون العيش خارج مياه السلطة.. الأسباب الموضوعية للمذكرة بعد أن تعرفنا على المجموعات التي تقف وراء «مذكرة الألف» خلف الكواليس يجدر بنا أن نعرف أيضًا من هم أصحاب المذكرة الحقيقيون، وما هي الأسباب الفعلية لظهورها ولماذا في هذا التوقيت وهل هذه المذكرة تكتيكية أم حقيقية. وللإجابة عن الأسئلة المطروحة يمكن الإشارة إلى جملة من المعطيات التي تقربنا إلى الإجابات الموضوعية على كثير من التساؤلات وذلك على النحو التالي: أولاً: احتكار السلطة والمناصب التنفيذية لقيادات محددة ظلت تتنقل من موقع إلى آخر على أكثر من عقدين وبلغ الضيق بهذا الأمر منتهاه بعد التشكيل الوزاري الأخير، الى جانب تنصل الحزب وقادته من عهود قطعوها بتجديد الدماء هذا علاوة على استشراء الفساد بصورة مزعجة.. ثانيًا: أما من حيث التوقيت فيشار إلى أن هناك مذكرة «ثورية انقلابية» عاصفة تقف وراءها قيادات وشخصيات مصادمة ومثيرة للجدل وذات أوزان قوية تهدف إلى تصحيح المسار وحسم مظاهر الفساد و«الشلليات» تجري الترتيبات لها بشكل مزعج وأن المذكرة الحالية تهدف إلى قطع الطريق أمام «العاصفة» وأن ظهور الحالية في هذا التوقيت لخطف الأضواء من المذكرة «الانقلابية» والتقليل من فاعليتها وهو أمر أكده لي أحد قيادات الحركة الإسلامية. ثالثًا: أما أصحاب مذكرة «الألف» فتشير كل المعطيات إلى أنهم فئة من الشباب المحبطين بسبب التعهدات المشار إليها والذين تجاوزتهم عمليات تقسيم المغانم في ساحة الصراع والتكالب على المغنم تساندهم المجموعات التي سبقت الإشارة إليها..