الخرطوم : علاءالدين محمود ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالاخبار من لم تذود ربما على طريقة طرفة بن العبد يتنظر الشارع السياسي مالات مذكرات الاسلاميين التي تترى على الصحف والمواقع الالكترونية ما بين من يرى فيها إلهاء للناس ومن يستبشر باختراق للنظام من داخله عبر صراعات النقد والنقد الذاتي ، واخرون يرون ان الحركة الاسلامية تريد العودة من جديد عبر براءة من نظام اعلنت ممارسته هزيمة المشروع الاسلامي ، ويبدو طبيعيا جدا في نظر الكثيرين الاهتمام بمذكرات الاسلاميين والاختلاف حول تأويلها الذي لا يعلمه غير موقعيها خاصة في ظل انخفاض الصوت السياسي "الداخلي" المقاوم للانقاذ الا من اصوات تسمع من كاودا البعيدة تتلوها على مسامعنا الفضائيات الخارجية ويغبشها مراعاة فرق التوقيت أو حركات مطلبية محدودة ومع رياح ثورات ربيع عربي على مستوى المنطقة تريد شخصيات اسلامية ممارسة قتل المولود"الانقاذ" من اجل سلامة الام "الحركة الاسلامية" لتنال ثقة الجماهير من جديد بعد ان مزقت الممارسة صحيفة الحركة الاسلامية شر ممزق وصارت في مرمى سهام نقد رفاق الامس فالقيادي الاسلامي التونسي راشد الغنوشي الذي جاء تحمله رياح الديمقراطية التي هبت على تونس وجه انتقادات عنيفة للنموذج الاسلامي السوداني في الحكم واصفا اياه بانه لايمثل "اشواق" الاسلاميين بل اعتبره جنينا مسخا مشوها وهو نفس ما يخشاه اسلاميو مصر عندما اعلنوا بصراحة انهم في ممارسة السلطة كاسلاميين يخشون ان يقعوا في مصير ما أسموه بالسودنة وبطبيعة الحال فإن العبارة "السودنة" تحمل دلالات سالبة تشير في ذات الوقت الى فشل الإنموذج الاسلامي السوداني في الحكم . وبالامس حملت الصحف السودانية مذكرة جديدة ثالثة أخرى وكما العادة بلا توقيع من اي شخص أو جهة ، تقول الصحف أنها المذكرة الاصلية للإسلاميين !! غير ان الحقيقة الواضحة هي تشابه مذكرات الحركة الاسلامية في المطالب وفي النقاط التي ترى فيها مدخلا للتغيير غير ان البعض يرى أن هذا التغيير لا يراد منه تغييرا نحو افق ديمقراطي يخرج البلاد من أزمتها بقدر ماهو تغيير يعيد الحركة الاسلامية الى الواجهة بعد أن تم ابتلاعها من تنظيمات شيدتها هي فالحركة الإسلامية كما يفاد من المذكرات هي التي صنعت الانقاذ غير ان هذا التنظيم انفلت من عقاله وصار صعب السيطرة عليه وبالتالي خصما على الحركة الاسلامية التي فقدت به الكثير بالتالي وبالامس حملت اخبار الصحف عن مذكرة ثالثة اخرى للحركة الاسلامية قيل انها تجد القبول من طرفي الحركة الاسلامية الذين شطرتهم السلطة والصراع حولها الى قسمين قسم يناصر الترابي الزعيم التاريخ للحركة وقسم يناصر المؤتمر الوطني "المتوسد" على كرسي السلطة وبحسب المهندس أمية يوسف عضو المكتب السياسي للإخوان المسلمين، أن المذكرة الثالثة للحركة الإسلامية تمت فيها استشارة د. حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، وشيخ صادق عبد الماجد المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، وشيخ عبد الرحيم مكاوي مقرر مجلس شورى الحركة الإسلامية السابق، وأوضح أنهم أمّنوا على بعض النقاط وأضافوا نقاط أخرى في المذكرة. وأشار أمية إلى أن المذكرة التي سيتم تقديمها إلى الرئيس عمر البشير ونائبه الأول علي عثمان محمد طه ستطرح تحت مظلة الحركة الإسلامية الكبرى. ولعل المذكرة الثالثة الاخرى تؤكد مرة أخرى على أن المحصلة النهائية هي "الحركة الاسلامية" وليس التغيير كما فهمه كثيرون المتجه نحو بديل ديمقراطي أو إصلاح سياسي وبحسب محللين فإن المذكرات تعبر عن أزمة مركبة أزمة السلطة وأزمة الحركة الاسلامية التي جاءت بها وفي هذا الاتجاه يقول الكاتب الصحفي فيصل على موسى أن قادة الحركة الاسلامية قد اعتبروا المذكرة أو المذكرات نفحة من نفحات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يرى الكاتب هما العاملان الأساسيان في جعل الأمة - "خير أمة أُخرجت للناس"- والسبب المهم الذي جعل المؤتمر الوطني وقبله الحركة الإسلامية، يمكث في السلطة طوال هذه السنين، هو إعمال مبدأ "التواصي بالحق والتواصي بالصبر" وإذا فُقد أو تلاشى هذا المبدأ فستكون العواقب خسرا. ولعل ما ساقه كاتب المقال يسير في اتجاه تأكيد أن المذكرة أو المذكرات تريد للحركة الاسلامية العودة الى "سيرتها الاولى" وبالتالي هي مذكرات ليست لاصلاح نظام الحكم او العبور بالبلاد والعباد الى رحاب الدولة الديمقراطية بقدر ماهي العودة ل"الحركة الاسلامية" وشعاراتها القديمة حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بالانقاذ ذاتها خاصة ان معظم هذه المذكرات يقف خلفها من اطلق عليهم في بواكير الانقاذ صفة "المجاهدين" أو "الدبابين" وفي هذا الصدد يقول الإسلامي البارز الطيب زين العابدين في تصريحات صحفية إن أكثر من خمس مجموعات داخل الحركة الإسلامية دفعت بمذكرات لتصحيح مسار نظام الإنقاذ، منها: مذكرة المجاهدين . وبخلاف المذكرة الاخيرة فقد تقدُّم ألف شخصية من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني بمذكرة يقف خلفها "المجاهدون"، وصلت لقيادات إسلامية عبر البريد الإلكتروني بغرض التشاور. وفي مذكرة اخرى تقدمت مجموعة أخرى داخل الحركة الإسلامية بمذكرة وصفت بانها شديدة اللهجة لتصحيح مسار الدولة، بل إنها تبراءت من سياسات الإنقاذ ودعت الحركة الإسلامية للخروج من عباءة المؤتمر الوطني والعودة إلى الجماهير والخروج لتأسيس تنظيم جديد بعيداً عن الدولة ومؤسساتها. وقالوا ان نظام الإنقاذ بلغ من السوء المفضوح درجة لا يمكن معها الدفاع عنه" بل وحثت أعضاء الحركة الإسلامية للخروج من الحزب وبدء مرحلة جديدة من الكفاح. ويبدو ان الحزب الحاكم من جانبه في طريقه الى التبروء من الحركة الاسلامية وجعل الحزب الحاكم هو المرجعية الاخيرة وصاحب القول الفصل وهو ما ردده صراحة عمر البشير رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني الحاكم عندما أكد على محاسبة المتقدمين بالمذكرات ورافضا في الوقت ذاته مبدأ الوصاية على الحزب غير ان اتجاهات لصيقة بالحركة الاسلامية في الحكومة حاولت من جانبها تقليل اثر هذه المذكرات التي وصفت بالاصلاحية وفي تصريحات متوفرة أعلن مستشار الرئيس السوداني إبراهيم أحمد عمر ، أن المذكرة التي يقف وراءها ما يسمى بشريحة المجاهدين سلمها أربعة من القيادات المعروفة لمساعد الرئيس نافع علي نافع، لكنه استبعد أن تؤدي إلى انشقاق جديد في صفوف الحركة الإسلامية السودانية، مؤكداً اعتزام الحزب الحاكم مناقشة ما يرد فيها من قضايا تتصل باستشراء الفساد وفصل الحزب عن الدولة، مشيراً إلى أن معظم القضايا التي وردت في المذكرة نوقشت داخل الحزب أثناء انعقاد المؤتمر العام للحزب، وأضاف عمر أن القضايا التي ذكرت في المذكرة ينبغي مواجهتها وحلها حتى وإن أدى لنشوب خلافات. وبالمقابل تلقت المعارضة الرسمية "المسجلة" الاشارة الخطاء عندما ظنت كل الظن أن مذكرات الاسلاميين تصب في مصلحتهم وما عليهم سوى تغذية التناقضات وذلك عندما قال فاروق ابوعيسى رئيس قوى الاجماع الوطني ان المذكرة تصب في مصلحتهم أو بحسب تعبيره " هبشت حاجاتنا" وعلى الرغم من أن فاروق حاول ان يتلمس نقاط الضعف في المذكرة الا انه وبحسب كثيرين وقع في الخطاء عندما قال للزميلة "الاحداث" الغراء "تتفق في تفاصيل كثيرة مع ما نقوله نحن في المعارضة من نقد ضد النظام، وان النظام جعل الدولة بدلا من أن تكون دولة للشعب والوطن وخادمة له بأن تصبح دولة ملك للحزب وخادمة له وهذا ما نقوله نحن وهم من خلال مذكرتهم «هبشوا حاجاتنا» التي طالما تحدثنا فيها وتطرقوا للاجهزة العدلية وهذا شيء إيجابي لأنها بممارسات الانقاذ تحولت إلى مؤسسات تابعة للمؤتمر الوطني يفعل بها ما يريد ولم تعد هي المؤسسة المستقلة التي تحقق العدل بين المتخاصمين أمامها، والخدمة المدنية كذلك سرقت من ملكية الشعب والوطن إلى ملكية «الوطني» وتمارس فيها الوساطات والترقيات بالمحسوبية وكذلك تحدثت عن شيء مهم وهي الأجهزة الأمنية والقوات النظامية" .ماذهب اليه فاروق في اعتقاد الكثيرين هو التفسير حسب مسار القراءة الصحيحة الخاطيء لمذكرات الاسلامين والتي "لم تهبش" سوى "المصالح العليا للحركة الاسلامية" وهو الخطاء نفسه يتكرر مرة اخرى من قبل يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي عندما اعتبران المذكرة خطوة لتصحيح أخطاء الشمولية ومثار الخطاء كما يرى محمد حسن فاروق المحلل السياسي في حديث للجريدة أن المذكرة لم تحمل إصلاحا سياسيا كما رأى فاروق ولا تصحيحا سياسيا كما رأى يوسف حسين واصفا المعارضة بانها مصابة بعطب في حاسة "الشوف السياسي" ويقول ان المذكرة او المذكرات لم تحمل غير نقدا اخلاقيا لإخوانهم مذكرين اياهم ب"المثل" التي جمعتهم داعين اياهم الى صواب تمثلها ومشفقين في الوقت ذاته على مالات الحركة الاسلامية وفي ذات الاتجاه يسير استاذ العلوم السياسية محمد ابراهيم الحاج عندما قال للجريدة إن المذكرة تقدم نقدا اخلاقيا للحاكمين باسم الحركة الاسلامية مطالبة اياهم بالرجوع الى مرتكزات الحركة الاسلامية وان هذه المذكرات الاحتجاجية ترى ان هولاء الحاكمين قد خلعوا ثوب الاسلام فحادوا عن الطريق وتريد المذكرات اعادتهم الى جادة مافارقوه وما كان لهذه المذكرات ان ترى النور وإن كانت بلاء توقيع لولاء اشارت التقطها كاتبوا المذكرات من تصريحات رئاسية تبشر بأن هوية سودان مابعد الانفصال هي الهوية الاسلامية لا غيرها وهي تصريحات الرئيس عمر حسن احمد البشير فى القضارف الصيف الماضى عندما قال بان هوية السودان بعد انفصال جنوب السودان ستكون عربية اسلامية، وفي مكان اخر قال البشير إن المرحلة القادمة ستكون انطلاقة وثورة جديدة لبناء السودان الذي ستكون فيه الشريعة الإسلامية هي الدين الرسمي للدولة، واستشهد بأن نسبة ال"98%" من الشماليين مسلمين. وهي التصريحات التي كانت بمثابة ايحاء مباشر التقطته جماعات إسلامية قريبة لفكر وتوجه حزب البشير لصياغة دستور دائم يستند فى مرجعيته على الشريعة الاسلامية كمصدر وحيد للتشريع ، وهذه التصريحات انعكست بشكل واضح على مذكرات الاسلاميين فأكدت جميعها على الهوية الاسلامية والشريعة كمرجع للحكم مثل هذا النص الذي جاء في المذكرة الاولى "مواصلة برنامج الأسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع دون تردد أو وَجَل ودعم العمل الدعوي بكل الوسائل وتشجيع الفضائل ونشر قيم الطهر والفضيلة باعتبارها الهدف والغاية والشرط لبقائنا لتمكين ونشر دين الله في الأرض" وكما يتضح فإن "الاشواق" هي التي تحرك الاسلاميين لممارسة نقدهم ذاك وليس الاصلاح السياسي او تغيير طبيعة الدولة ويدل على ذلك ان النقد الذي مس كل شيء لم يمس الانقلاب الذي جاء بالحركة الاسلامية بل اعتبرته المذكرات عملا شجاعا.