نواصل في هذه الحلقة «عرضحال» شمال كردفان للأستاذ علي عثمان محمد طه ونود في البداية أن نسجل له صوت شكر على استرداد مبلغ 100 مليون دولار من المبلغ المخصص لطريق أم درمان بارا بعد أن حاولت بعض الجهات ذات النفوذ تحويله لجهة أخرى بحجة أن هذا الطريق ليس بأولوية في الوقت الراهن.. ونحن إذ نتقدم بالشكر للنائب الأول نشجُب ونستنكر مثل هذه التصرفات التي تضُرُّ بمصداقية الحكومة كثيراً وتفقدها ثقة الناس المتضررين، وهم في هذه الحالة أهل شمال كردفان من أبو عروق شمالاً وحتى الحاجز جنوباً. وبما أننا نتحدث عن هذه الولاية لا بد لنا من وقفة مع التعليم الذي وصل إلى مستوى متدنٍ للغاية حيث أشار تقرير المنسق الدائم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان إلى «أن المعلومات المتوفرة عن ولاية شمال كردفان تشير إلى أن موقف الولاية في مجال التعليم هو دون الوسط مقارنة بالتعليم في السودان عموماً، ويقع ترتيب الولاية ضمن المستويات الأدنى في شمال السودان، ولا تزال الولاية بعيدة عن تحقيق أهداف الألفية التنموية في مجال التعليم».. ذلك لأن مدخلات التعليم والبيئة التعليمية قد تدهورت بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى تلقائياً لضعف ملحوظ في مخرجات العملية التعليمية حتى أن عدد الملتحقين من أبناء الولاية بمؤسسات التعليم العالي والجامعات لا يتعدى نسبة 15% من مجموع طلاب الولاية في المرحلة الثانوية حسب إفادة أحد كبار المسؤولين؛ فمعظم المدارس خارج المدن مبنية من مواد غير ثابتة «القش» وتفتقر لأدنى مقومات البيئة المدرسية مثل دورات المياه ناهيك أن تكون فيها إمكانية لإدخال طرق ووسائل التعليم الحديثة مع انعدام تام للمعلم المؤهل والمدرب في الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولو وزارة المعارف عن حوسبة مناهج التعليم.. وكيف يمكن لنا أن نحقق تنمية بدون توفير كوادر بشرية متعلمة ومدربة وماهرة إذا ظل حال التعليم على ما هو عليه؟ الأمر الآخر الحساس الذي تجدر الإشارة إليه هو الوضع السياسي في الولاية بشكل عام، إذ لم يعد سراً فشل حكومة الولاية في القيام بأي عمل مقنع للناخب إذ أنها لم تقدم له شيئاً يذكر لا في مجال التنمية والتعمير ولا في الخدمات ذلك لأن الحكومة القائمة الآن قد وُلدت بشلل سياسي مزمن؛ لأنها لم تتكون وفقاً لمعايير الشفافية والأمانة والقدرة وتوسيع دائرة المشاركة وغيرها مما هو معلوم بالضرورة لكل من يريد أن يمارس الحكم في هذا العصر؛ بل حصرت نفسها في دائرة ضيقة لم تتعدَ الذين ترشحوا في قائمة الولاية، واعتمدت مبدأ الترضيات والمعالجات وكل تلك المصطلحات المستحدثة التي لا سند لها في أنظمة ومتطلبات الحكم الراشد ناهيك عن مبادئ السياسة الشرعية التي تقوم على منطوق «خير من استأجرت القوي الأمين».. ولذلك حُرمت الولاية من كفاءات وخبرات واسعة كان من الممكن أن ترفد دولاب الحكم بشيء من الحيوية والقدرة على العمل؛ كما حُرم قطاع واسع ومؤثر من أهل الولاية من المشاركة في السلطة وهي بالتالي لم تعد تتمتع بتأييد المواطنين الذين يشتكون من عدم فعالية حكومتهم وعجزها عن النهوض بالمهام التي شكلت من أجلها، ويتحدث بعض المقربين من هذه الحكومة عن عدم الانسجام بين أعضائها بسبب انعدام الشورى التي صارت تنحصر في من يقولون نعم فقط، وقد ينطبق ذات القول على قيادة الحزب.. وهذا ما جعل بعض المراقبين يقولون إن الحكم الفيدرالي قد جاء وبالاً ونقمة على أهل هذه الولاية.. ولذلك مطلوب من السيد الوالي وضع هذه النقاط في الاعتبار عند اختيار حكومته المزمع تشكيلها وإلا سيظل الوضع السياسي والتنفيذي في هذه الولاية على ما هو عليه حتى إشعار آخر. من ناحية أخرى، فإنّ أهلنا في إدارية دميرة أصبحوا يتمثلون بقول الشاعر: وإني لأرضى، من الوالي بالّذي ٭٭لوَ أبصره الواشي، لقرّتْ بلابلهْ بِلا، وبألاّ أستطِيعَ، وبالمُنى٭٭ وبالوعدِ حتى يسأمَ الوعدَ آملُهْ لأن السيد الوالي قد وعدهم أكثر من مرة بأنه سيعيد هذه الإدارية إلى محلية بارا، ولكنه لم ينجز وعده بعد؛ وظلت معاناة الناس مستمرة جرّاء السفر إلى رئاسة المحلية في أم كريدم رغم أن ظروفهم تتطلب توفير أي مبلغ من المال لشراء لقمة العيش في هذه الشهور العجاف. أما إخوتنا نواب الولاية المحترمون فلا بد من لفت نظرهم إلى التقصير الواضح والإخلال الكبير من جانبهم في الوفاء بما قطعوه على أنفسهم من وعود انتخابية باسم الحزب الحاكم ولم يوفوا بها؛ فالمدارس لم يقدم لها إلا النذر القليل من المال من أجل الصيانة التي وعد بها بعض نوابنا في المجلس الوطني مع علمهم بحالها، ناسين أنهم حلقة الوصل بين الأهالي والجهاز التنفيذي على كافة المستويات قياساً على التزامات النظام الديمقراطي السائدة في البلدان التي تُحترم فيها أصوات الناخبين وتلبى مطالبهم.. صحيح أن بعض الآبار قد حُفرت كما أُقيمت بعض السدود إلا أن نساء شمال كردفان لم تطوِ «الرشا» بعد؛ بل لا يزال بعضهن يشرب كدراً وطيناً في حين أن بعض من أدلين لهم بأصواتهن قد ركن لمياه النيل الباردة وأدار ظهره لهن بدون خجل؛ وبعضهم قد أهمتهم أنفسهم وشغلتهم مصالحهم عن خدمة المنطقة وناخبيها ولعمري ما تلك من شيم الأوفياء. سيادة النائب الأول نحن نتكلم هنا بكل صراحة وخلاصة القول إن المؤتمر الوطني سيكون هو الخاسر الأكبر إذا ظلت هذه الحال على ما هي عليه ولذلك لا بد من تحرك سريع من المركز من أجل تلافي الأمر وإحداث حراك تنظيمي سريع في أجهزة الحزب الولائية بعد أن قعدت عن مهمتها وأصابها الشلل السياسي ولم يعد لها همٌّ سوى المحافظة على الكراسي والمناصب التي تدر دخلاً مقدراً لا يتوفر من غيرها.