عندما جاءت الإنقاذ جاءت بشعارات تدعو إلى الاعتماد على الذات وأن من لا يملك قوته لا يملك قراره وامتدت إلى محاولة حفر ترعتي كنانة والرهد بالمعاول العادية تأكيداً على أهمية استقلال القرار السياسي، وأن الزراعة تمثل المخرج الحقيقي وأن الشعوب تبنى بسواعد بنيها لا بأموال واستثمارات وقروض الشعوب الأخرى. ونتيجة للأزمة المالية العالمية، وبعد انفصال جنوب السودان تكوّن واقع جديد يدعو إلى العودة إلى الاهتمام بالزراعة باعتبارها المخرج الوحيد لكثير من قضايا الشعب السوداني لتوفير فرص العمل وتحقيق شعار «نأكل مما نزرع» الذي أصبح محل سخرية وتندر من القوى السياسية على حكومة الإنقاذ بعجزها عن تنفيذه على أرض الواقع واعتمادها على معين يمكن أن يقل وينضب وهو البترول.. إلى جانب الواقع الذي وصل إليه مشروع الجزيرة من تردٍ دفع وزير الزراعة د.عبد الحليم المتعافي لأن يعلن عن وجود إشكالات في زراعة القطن نتيجة للري والأخطاء الإدارية وخروجه بفكرة استيراد عمالة إثيوبية دفعت الكثير من المواطنين للإصابة بالإحباط لهذه التصريحات. فقامت ولاية الجزيرة على رأس وفد من الخبراء واتحادات الرعاة والمزارعين بزيارة ولاية نهر النيل للوقوف على المزرعة التجريبية بمنطقة التراجمة بمحلية شندي التي أقامتها شركة كراون الباكستانية من خلال زراعة 1200 فدان بمحصولات القمح والقطن وعباد الشمس والأرز والفول والخردل والخضروات والمحاصيل البستانية وإدخال تجربة زراعة نصف فدان بقصب السكر لسد حاجة 12 أسرة لمدة عام من سلعة السكر، إلى جانب مطاحن صغيرة في مساحة لا تتجاوز «800» متر تتضمن طواحين صغيرة للقمح والأرز ومعصرة للزيوت والحبوب الزيتية وماكينة لتصنيع الأعلاف من بقايا المحصولات الزراعية وماكينة تقطيع الأعلاف واستخدام تقنيات مختلفة في الري بالحياض الكبيرة وري بالرشاشات والتنقيط والسرابات العادية والتسوية والتسطيح بالليزر وإدخال الحيوان في العملية الزراعية حيث يوجد بالمشروع عدد100 بقرة حلوب وعدد من الضأن والماعز والعجول إلى جانب استخدام الحلابات. هذه التجربة تقوم على عمالة باكستانية مما يمثل دلالة واضحة أننا شعب يوصف بالكسل والخمول لدى العديد من الشعوب العربية والإسلامية لتبقى القيم التي طرحتها التجربة وهي: أزرع محصولات مختلفة، اصنع صناعات صغيرة من زرعك اعلف حيوانك من بقايا زرعك، وأخيراً سوِّق منتجَك النهائي للمستهلك. هي تجسيد لشعار «نأكل مما نزرع» ولكن بأيدٍ أجنبية. ليدور نقاش حول هذه التجربة من خلال حديث أحد الخبراء الزراعيين ل«الإنتباهة» أن هذا العمل يمكن الاستفادة منه في مشروع الجزيرة ولكنه يحتاج إلى عمل مؤسسي بمشاركة وزارة الزراعة والري والبحوث الزراعية لتحويل هذه التجربة إلى واقع وذات عائد اقتصادي في ظل وجود ثلاثة أرباع الأراضي المروية بالولاية وأهمية تحويل المزارعين إلى جمعيات تعاونية تضم هذه الوحدات الانتاجية التي لا تزيد تكلفتها عن 100 ألف جنيه بمثابة شراكة بين الدولة والمواطن ولتحويل مواطن الجزيرة صاحب الخبرات المتراكمة في الزراعة لتكون تجربة نيوزيلندا التي يقوم اقتصادها على الزراعة حتى أصبح مواطنها يحتل المرتبة الثالثة من حيث الدخل السنوي عالمياً. ليتحدث الأستاذ/علي أبو الكرام من اتحاد الرعاة بولاية الجزيرة مقارناً بين ولاية نهر النيل التي توجد بها وزارة للثروة الحيوانية وولاية الجزيرة التي لاتوجد بها وزارة على الرغم من السلالات الحيوانية ذات القيم العالية ومرغوبة عالمياً وشن هجوماً على أبناء الجزيرة خاصة في إدارة مشروع الجزيرة والذين أسهموا في هذا التردي الذي وصل إليه قطاع الزراعة والثروة الحيوانية وعدم الاستفادة من برامج النهضة الزراعية والنهضة البيضاء وانعكاس ذلك على مستوى دخل مواطنها البسيط. لتبقى المحاولات التي يقودها المهندس /عبد الله محمد عثمان وزير الزراعة بولاية الجزيرة من خلال خلق شراكات في مجال الزراعة والثروة الحيوانية وربط الزراعة بالصناعة وخاصة في توطين زراعة بنجر السكر وإدخال التقانات الحديثة في العملية الزراعية تحتاج إلى دعم سياسي وتشكيل مجلس رئاسي لتطوير مشروع الجزيرة وإدخاله إلى دائرة الإنتاج حتى يعم خيره الذي يعلمه أهل السودان على هذه الأجيال التي تشكو الفقر وانتشار البطالة وتعاني من انتشار أمراض الملاريا والبلهارسيا إلى جانب المبيدات الكيميائية مما أدى إلى انتشار أمراض السرطان والفشل الكلوي بصورة كبيرة.